مقال تحليلي للكاتب : سيد أحمد ولد باب
لم تكد تخرج البلاد من ألفيتها الثانية وماعاشته من ويلات الجفاف ونزعات الانفصال ومخاض السلطة حتى كان شبح العنف السياسي قد أخذ مجراه في النفوس مدفوعا بنزعة دينية لدي أغلب الشبان المحسوبين علي التيار السلفي وانتقامية لدي مجمل الأطفال المتخرجين من مدرسة الشارع أو المعروفين محليا ب"جينكات" خصوصا من طبقة الأرقاء السابقين أو بعض المنسوبين للزنوج.
ومع مطلع العقد الأول من الألفية الجديدة بدت الدولة غائبة عن ساحة المواجهة الفعلية منشغلة بالصراع الناجم عن سنوات العنف السياسي بعد سنين من الدكتاتورية القاتلة والتي كانت آخر أيام الرئيس المخلوع معاوية ولد الطايع تتويجا لها بما عرفته من اعتقالات وانقلابات وجراح وتهجير .
ورغم الحرب الإعلامية الشرسة التي شنها النظام ضد كل مظاهر التدين في البلاد فقد زاد الخطاب الديني في المساجد وعاد المئات من الشبان الموريتانيين إلي هويتهم الإسلامية الضائعة مدفوعين بأخطاء الماضي لكن هذه المرة إلي ساحة دينية غير منضبطة مع قليل من الزاد العلمي وسط موجة من دعاة التشدد كان أغلب روادها وموجهيها من خارج البلاد مستفيدين من الإنترنت والتلفزيونات لتوصيل خطابهم إلي الشارع الموريتاني كغيره من الدول العربية دون صورة واضحة عن اكراهات الواقع الذي يعيشه أو التحديات المختلفة للمرسل والمتلقي علي حد سواء.
ومع دخول البلاد لألفيتها الثالثة كانت نخب البلاد الشابة حائرة بين موجة تغريب تحتضر علي الأقل في الشارع وموجة تدين باتت تري في كل مكان ملهبة حماس الشباب ومغذية النزعة التحررية لدي جيل أغلب رواده من سكان البدو حديثي العهد بالمدينة.
وفي سنة 2001 شكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر ومجازر الاحتلال في جنين ورام الله،والحرب الدامية في أفغانستان كلها نذر تحول كبير في المنطقة المغاربية عموما وموريتانيا خصوصا وكانت أناشيد الجهاد القادمة من دول الخليج تحديدا قد بدأت تعيد الاهتمام لدي الشباب بقضايا المسلمين وتدفع الجيل السلفي الجديد إلي أخذ دوره في مسيرة رفض ممتدة من أفغانستان شرقا إلي جبال الجزائر غربا بعد أن استطاعت مجموعات العنف المحصورة في الصحراء الجزائرية تجديد شبابها وإعادة إنتاج خطابها من خلال ارتباط عقائدي وتنظيمي في وقت لاحق بالقاعدة التي مثلت النموذج الأهم لدي تلك المجموعات الشبابية في مقاومة المحتل ومناهضة الحكام كما تشي بذلك أدبيات الجهاديين مستفيدين في الوقت ذاته من أخطاء محتل تتضاعف ومظالم في الداخل تثقل كاهل الشارع العربي دون حل.
بوادر التحول
لم تكن أولي المقاهي التي فتحت في العاصمة نواكشوط (الريان ، كيهيدي، سبير دليل..) مجرد محلات تجارية أو نوادي تسلية بل كانت علي النقيض بوابة لعبور نفسي لعدد من الشبان المتعلقين بالجماعات السلفية المقاتلة في أفغانستان ومحطة من محطات الدار الأخرى..
فكانت قصائد الشعر والمقالات الحماسية تملأ منتديات الإنترنت من قبل العديد من الشبان الموريتانيين لعل أبرزهم ساعاتها "عبد الملك ولد سيدي" الذي كان طالبا بالمعهد السعودي قبل إغلاقه وناشطا في جمعية إحياء السنة التي أسسها عدد من مشاييخ التيار السلفي بنواكشوط وكان التواصل قائما بين المجموعات الفتية من مقاتلي القاعدة حاليا والقيادة المتمركزة في جبال أفغانستان..
حمل العديد من الشباب الموريتانيين أفكارا بالغة الخطورة علي الوحدة العقائدية للشعب الموريتاني –كما يقول مناوؤوهم داخل الساحة- ،وانتشرت مجموعات داخل المساجد في مقاطعات "الميناء" و"دار النعيم" و"تفرغ زينه" وبدأت مظاهر الخروج علي القانون تلاحظ بقوة من قبل رواد تلك المساجد..
شكلت الكلمات القصيرة بعد الصلوات الخمس أبرز أجندة تلك المجموعات،واحتلت العقيدة ونواقضها أهم مواعظ الشبان الجدد ،ولم يسلم بعض الشيوخ والمتصوفين من ردات فعل غير محسوبة وصلت حد قطع "التمائم" في الشارع والطرد من الصفوف الأمامية كما حصل في "غزوة دار النعيم" التي قادها "حمادة ولد محمد خيرو" وثلاث من رفاقه لتحرير أحد المساجد ممن أسموه بالمبتدعة قبل أن ينتهي بهم المطاف في أحضان مفوضية الشرطة بالمقاطعة بتهمة ممارسة العنف داخل المسجد وتكدير صفو المصلين والإساءة لرواد بيوت الله..
لكن الأمور تطورت بعد ذلك بعد أن تمكنت مجموعات غير قليلة من المغادرة إلي أفغانستان" عن طريق العربية السعودية أو بعض الدول الإفريقية للالتحاق بمقاتلي القاعدة ولعل أبرزهم هو "أحمد ولد عبد العزيز" و"محفوظ ولد الوالد" (غادر من السودان مع رئيس التنظيم أسامة بن لادن وربما يكون معتقلا بطهران) و "أحمد مزيد ولد عبد الحق (غادر من السعودية وعاد إلي موريتانيا بعد ذلك حيث خضع للاعتقال والتعذيب قبل أن يقرر الانفصال عن الجماعة)،و"النعمان" الذي استشهد في احدي المواجهات العسكرية بمناطق "الأوزبك" وآخرون..
ومع دخول البلاد منتصف العقد الأول من ألفيتها الجديدة كانت عناصر التيار السلفي قد بدأت تعد العدة لإنشاء تنظيم دعوي في البلاد لاحتضان الطاقات الشبابية المتسربة وإعداد الكوادر للجهاد في أفغانستان والعراق مستفيدين من دعم مالي سخي من بعض التنظيمات والجمعيات الخيرية بالمشرق أو هكذا قال قادة التنظيم لاحقا في أمام ضباط الشرطة بعد اكراهات نفسية وبدنية عاشوها إبان الاعتقال.
شكل السلفيون الجدد أولي التنظيمات التي عرفتها الساحة السلفية في موريتانيا بعد سنوات من التشكل تحت مسمي "الجماعة السلفية الموريتانية للدعوة والجهاد" وسمي أحد أساتذة اللغة العربية أميرا لها بعيد عودته من العربية السعودية – كما تقول محاضر التحقيق المعدة من قبل الشرطة سنة 2005 - وأختير "عبد الملك ولد سيدي" مسؤولا عن التجنيد في الجماعة مع تفريغه من أي أعمال أخري مقابل مبلغ مالي قدره 100 ألف أوقية لمساعدته علي تدبير شؤونه الخاصة ،بينما تولي "أحمد القلقمي"(مطارد حاليا) مسؤولية التنظيم وتأمين المعلومات وقيادة مجموعة من الخلايا التابعة للتنظيم بمساعدة من أحد نشطاء الجماعة ممن أدين لاحقا بتهمة الإنتماء للقاعدة والتدريب داخل معسكراتها لمدة ثلاث سنوات، كما برز اسم المعتقل الحالي بسجون نواكشوط التقي ولد يوسف كأحد ألمع نجوم الشباب السلفي قبل اعتقاله في "النيجر" حيث يخضع حاليا للتحقيق من قبل قاضي مختص في قضايا الإرهاب..
عاش التنظيم أحلي فتراته في الفترة مابين 2004 إلي 2005 قبل أن تبدأ اعتقالات واسعة في صفوفه اثر إلقاء الشرطة القبض علي سبعة شبان كانوا يستعدون لمغادرة الأراضي الموريتانية إلي العراق بعيد تسرب أخبارهم لدي دوائر اجتماعية مقربة من بعضهم ولعل أبرزهم :
1- القيادي بالتنظيم حاليا حماده ولد محمد خيرو
2- الخديم ولد السمان
3- سيدي ولد حبت
ولم تلبث أوراق التنظيم السلفي الجديد أن انكشفت أمام ضغط الأجهزة الأمنية وتعذيب العناصر المكلفة بالتحقيق في ظل غياب سند حقوقي للمعتقلين ليكون رئيس التنظيم المفترض محفوظ ولد ادوم من أوائل المعتقلين مع مستشاره مزيد ولد عبد الحق ومجموعة من الفقهاء السلفيين لعل أبرزهم هو :
عبد الله ولد أمنيو
أبو بكر ولد عبد الرحمن
أحمد مزيد ولد عبد الحق
بينما استطاع العشرات من الشبان المنتمين للحركة الجديدة الفرار من قبضة الشرطة والخروج إلي وجهات متعددة لعل أبرزها صحراء مالي حيث معاقل الجماعة السلفية للدعوة والقتال المحظورة في الجزائر وهي الرحلة التي كانت بمثابة تحول بارز وتاريخي في حياة التنظيم واحدي محطات التأسيس للعنف السياسي المتدثر بعبائة الدين بموريتانيا..
مواجهة مثيرة
مع بداية مايو 2005 كانت الحكومة الموريتانية بقيادة الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع قد دخلت في مواجهة مفتوحة مع الجماعات الإسلامية المسلحة بعد سنوات من اختبار الصبر المتبادل لتكون عملية "لمغيطي" بمثابة رصاصة الرحمة علي أي جهد داخلي أو خارجي من شانه نزع فتيل الأزمة أو تجنيب الطرفين حربا كان من المفترض أن تتأجل لبعض الوقت بحكم التحديات المشتركة وغياب أي مبرر للصدام المبكر..
استغلت الجماعة السلفية للدعوة والقتال غفلة الجيش الموريتاني عن حدوده الشرقية والشمالية لتوجيه ضربة قاسية لأجهزة الدولة انتقاما لما أسمتهم بالمجاهدين الأسري في سجون نواكشوط مخلفة 15 قتيلا من عناصر الجيش و32 جريحا بعضهم بإعاقة دائمة وصدمة داخل الشارع الموريتاني الذي اكتشف فجأة دموية التنظيم وجرأته علي استباحة دماء الآمنين ولو كانوا من أبناء الجيش البعيدين ساعتها عن الصراع السياسي.
ردت نواكشوط بقبضة أمنية قوية في الداخل وأرخت العنان لضباط وعناصر الشرطة لممارسة أبشع صنوف التعذيب داخل الزنازن والمعتقلات وتساقط عناصر الجماعة السلفية في الداخل واحدا تلو الآخر تحت الضغط الأمني أو الغباء التنظيمي بعد أن لعبت الهواتف لعبتها في اعتقال العشرات منهم بينهم مجندون كانوا ينوون الالتحاق بالتنظيم في صحراء مالي قبل أن يسقطوا في أيدي الأجهزة الأمنية المنتفضة في وجه التنظيم بعد أن مرغ أنوف عناصر الجيش في صحراء وجبال "لمغيطي" كما يقول ناشطوه ..
شكلت الحادثة بذاتها ضربة قوية ليست للجيش فحسب بل للجماعة التي تم الفصل بين جناحيها ، جناح الشيوخ بما يمثلونه من رمزية وقيمة علمية للحركة بقيادة احمد مزيد ولد عبد الحق ،محفوظ ولد ادوم،سيد أحمد ولد زاروق الملقب الشاعر ، وأستاذ الحديث بالمعهد السعودي أحمد،وأستاذ العقيدة بنفس المعهد سابقا أبو بكر ولد عبد الرحمن ،وجناح الشباب المتأثر بالجماعة السلفية للدعوة والقتال والذي ذاق أغلب عناصره ويلات التعذيب داخل المعتقل واصطدم بضعف القيادة أمام أول اختبار لها في مواجهة الأجهزة الأمنية.
ومع وصول قادة المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية الحاكم سابقا إلي السلطة بدأت الحكومة التي قادها الوزير الأول سيدي محمد ولد بوبكر في تأسيس جدي للفصل بين الجماعات الإسلامية العاملة في موريتانيا من خلال عزلها للمعتقلين السلفيين عن معتقلي الأخوان وجماعة التبليغ مستندة علي رأى القائد العسكري للحرس الرئاسي محمد ولد عبد العزيز الذي أبلغ ذويهم بنفسه معارضة المجلس لأى صفقة من شانها استفادة المعنيين من حرية ولو مؤقتة قائلا إنه مقتنع بانخراطهم في مخطط تدميري ضد البلاد وعلاقاتهم بالجماعة السلفية للدعوة والقتال طالبا من حكومة المجلس مواصلة حربها ضد عناصر التنظيم داخل وخارج موريتانيا.
ومع دخول البلاد أجواء الانتخابات النيابية والبلدية تراخت القبضة الأمنية في موريتانيا واستفاد التنظيم من أجواء الانفتاح التي عاشتها البلاد،وعاد عدد من عناصره الفارين للقيام بأدوار جديدة لعل أهمها هو إعادة تشكيل الخارطة السلفية في موريتانيا وتجنيد أكبر عدد ممكن من الشباب الرافضين للواقع القائم.
تولي الثلاثي عبد الرحيم أنواجري ،وعبد الملك ولد سيدي،والتقي ولد يوسف إعادة ترتيب المشهد مستعينين بالخديم ولد السمان العائد بعد رحلة فرار قادته إلي السينغال وجمهورية مالي ،ومحمد الأمين المجلسي ذو الخلفية الشرعية الذي كان يستغل مساجد مقاطعة "لكصر" لتوضيح بعض المعتقدات السلفية وشكل عاملا مهما في إعادة الثقة بالمجموعة الشابة التي انفصلت نهائيا عن القيادة وباتت تتهمها بالتخاذل والرضوخ للسلطان الكافر تحت ضغط السجن بعد صدور آراء ومقابلات وتصريحات عن المجموعة المعتقلة تحرم الخروج علي السلطان بالسلاح وتؤمن بعدم مشروعية قتال عناصر الجيش.
شكلت الساحة السلفية تربة خصبة للتجنيد وبات القائد العسكري الجزائري الآخر "يحي أجوادي" لديه أتباعه من الموريتانيين بالتوازي مع تحركات القائد السلفي الآخر "بالمختار الملقب بالعور" وهو ما كانت له نتائج سلبية بالغة علي عمل التنظيم حيث عمل الطرفان علي توتير الأجواء بسرعة لإعادة ضبط المشهد من خلال عمليات القتل التي قامت بها مجموعة "الجوادي" ضد العسكريين الثلاثة قرب "الغلاوية" بينما كانوا في عملية استطلاعية يجريها الجيش باستمرار في المنطقة لتأمين بعض العاملين الغربيين في شركات التنقيب وهي العملية التي يعتقد آن "ولد أحمدناه" ورفاقه المعتقلين حاليا تولوا وزرها بعيد اعترافهم بذلك أمام العناصر الأمنية التي تولت التحقيق في الملف.
كما لم تتأخر ردة فعل المجموعة المحسوبة علي "بالعور" في لفت الانتباه إلي نشاطها من خلال عملية اغتيال نفذها ثلاثة من المنتمين إلي مجموعته قرب مدينة "الاق" في الرابع والعشرين من دجمبر 2008 قبل أن يتبين أن سيدي ولد سيدينا ومحمد ولد شبرنو ومعروف ولد الهيبه كانوا هم الجنود الثلاثة الذين اعتمدت عليهم القاعدة في عمليتها التي أثرت في المشهد الداخلي وأعادت رسم توازن السلطة بين الجيش والرئيس المدني سيدي محمد ولد الشيخ بعد الله الذي كان يميل إلي التهدئة مع التنظيم وفتح قنوات حوار معه من خلال مجموعة "القيادة" سابقا التي باتت معزولة فعليا عن ما يخطط له داخل أو خارج البلاد من عمليات وخطط مستقبلية.
نجحت السلطة في اعتقال المجموعة بتعاون دولي قادته فرنسا الجريحة ،واعتقلت بعدهم العشرات من منتسبي التنظيم أو المتعاطفين معه وشددت قبضتها الأمنية علي الحدود البرية لموريتانيا ،لكن ظلت خيوط اللعبة الخارجية غائبة وظلت المعلومات المتوفرة عن نوايا التنظيم شحيحة رغم الجهود التي بذلتها السلطات الأمنية لاختراق الجماعة السلفية للدعوة والقتال..
وفي سنة 2009 عادت الجماعة السلفية لتضرب بقوة لكن هذه المرة داخل العاصمة نواكشوط بعد أن استطاع بعض الشبان المتسللين عن طريق المنافذ الشمالية لموريتانيا العبث بأعصاب الأجهزة الأمنية بعد قيامهم بعمليات نوعية كضرب السفارة العبرية بنواكشوط ليلا واعتراض أموال "الميناء" مساء ،وتهريب سيدي ولد سيدينا ضحي من قصر العدالة واغتيال ضابط وجرح تسعة من عناصر الشرطة في مواجهات استمرت لدقائق بأحد أحياء العاصمة تفرغ زينه قبل أن ينجح عدد من المشرفين علي العمليات في المغادرة مستفيدين من حالة الإرباك القائمة داخل أجهزة الدولة وغياب أي معلومات أصلا عن تواجدهم علي الأراضي الموريتانية قبل المواجهات الدامية مع الأمن ولعل أهم المغادرين بعد المواجهات هم الرباعي :
1- الطيب ولد سيدي عالي
2- عبد الرحمن النواجري
3- التقي ولد يوسف
4- عبد المالك ولد سيدي
وقد أدي تردد البعض الآخر في سقوط عناصر الخلية التي نفذت العملية مابين قتيل أو أسير لدي الأجهزة الأمنية وهم :
1- أحمد ولد الراظي (قتل)
2- موسي ولد اندي (قتل)
3- الخديم ولد السمان (اعتقل)4
4- معروف ولد الهيبه (اعتقل)5
5- سيدي ولد سيدينا (اعتقل)
6- محمد ولد السمان (اعتقل)
7- دحود ولد السبتي(اعتقل)
8- محمد الأمين المجلسي (اعتقل)
9- أبو البتار (اعتقل)
لكن الحكومة الموريتانية المنتشية بنجاحها النسبي في مواجهة مجموعة القاعدة المرتبطة بالجزائري "بالعور" تجاهلت مخاطر ضربة محتملة عود فرع التنظيم الآخر عليها أنصاره ومتابعوه للفت الانتباه إليه وإعادة الإيحاء بقوته في أي مواجهة محتملة مع جيوش المنطقة لتكون "مجزرة تورين" اقوي وأصعب ضربة يواجهها الجيش بعد عملية "لمغيطي" الأولي بعد أن سقط 11 جنديا في كمين نصبه مقاتلوا التنظيم وتم قطع رؤوس الجميع ودفنهم في رمال الصحراء المتحركة بينما استطاع بعض رفاقهم الفرار من قبضة المهاجمين الذين كان من بينهم موريتانيون لعل أبرزهم هو القيادي السلفي المعتقل حاليا ولد أحمدناه الذي تم اعتقاله في مقاطعة "لكصر" بعد مواجهة مع قوي الأمن اثر عودته لتنفيذ بعض الأعمال التي كان مكلفا بها ومنها اغتيال الأمريكي رميا برصاص باعتباره ضالعا في عمليات ترويج للفكر المسيحي بموريتانيا وهو ما أعاد المواجهة بين الطرفين إلي الواجهة من جديد.
تحديات قائمة
ومع دخول البلاد نهاية 2009 وبداية 2010 كانت المؤشرات الأولية تفيد بأن القادة العسكريين الجدد قد استعادوا زمام الأمر من خلال إعادة ترتيب المشهد العسكري والأمني بتغييرات واسعة والدفع بأموال طائلة لسد الثغرات الأمنية التي ظلت مثار جدل.
عكف الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز وقائد أركان جيشه العقيد محمد ولد الغزواني علي إعادة ترتيب المؤسسة العسكرية مستحدثين وحدات عسكرية خاصة لمواجهة القاعدة عهد إليها بإعادة الانتشار علي الحدود والتحرك لضمان عدم نفاذ مقاتلي التنظيم إلي الأراضي الموريتانية وتقديم النجدة والمساعدة لعناصر أمن الحدود الذي ثبت ضعفهم في مواجهة مقاتلي التنظيم بفعل ضعف الآليات التي يمتلكون وغياب الخبرة الكافية للتعامل مع هذه المجموعات المدربة جيدا والمتمرسة علي قتال الجيوش النظامية وفي أصعب الظروف ..
أبقت قيادة أركان الجيش علي تبعية الوحدات لها مباشرة لضمان الفاعلية وسرعة التنسيق وأوكلت مهمة متابعة الأمر إلي نائب قائد الأركان العقيد محمد ولد أزناكي بعد عودته من عملية الإبعاد القسري إلي السينغال كملحق عسكري بها بعد أسابيع من رحيل النظام الانتقالي السابق الذي قاده الضابط العقيد اعل ولد محمد فال.
ولمواجهة تلك التحديات ألغت القيادة الجديدة خططها السابقة الرامية إلي بناء قاعدة عسكرية أمريكية بشمال البلاد،وعهد إلي الحليف التقليدي فرنسا ببناء تلك القاعدة قبل أسابيع فقط من وصول معدات الأمريكيين إلي ميناء نواكشوط ..
ورغم أن القوات الموريتانية استعادت زمام السيطرة علي الشريط الحدودي بعد عقود من الفوضي فإن العديد من التحديات لا يزال ماثلا أمام المتابعين للملف ولعل الأخطر والأهم ماكشفته عمليات خطف السياح الفرنسيين خلال سنة 2010 من ثغرات أمنية ظلت قائمة رغم علم السلطات الموريتانية ببعضها وخصوصا طريق المهربين الشهيرة بين نواذيبو وافديرك والتي كثيرا ما استخدمها عناصر الجماعة السلفية في التزود بالبضائع والمعدات والسيارات مستغلين نفوذ بعض رجال المال والأعمال في موريتانيا لتمرير طلباهم مرورا بالشريط الحدودي مع الصحراء الغربية والجزائر.
لكن الإحراج الذي شعرت به نواكشوط بعيد العمليتين دفعها إلي إعلان حدودها مع الجزائر منطقة عسكرية مغلقة يحرم التحرك فيها في أي وقت دون تصريح من القوات الموريتانية المتمركزة هنالك ، وحددت ثلاثة منافذ فقط للعبور تحت طائلة إطلاق النار بشكل فوري علي من يستخدم غيرها لدي دخوله أو خروجه من الأراضي الموريتانية باعتباره من مهربي البضائع أو المخدرات أو مقاتلي الجماعات المسلحة النشطة في الصحراء..
وقد برهنت الخطة الموريتانية الجديدة علي نجاعتها كما يقول قادة المؤسسة العسكرية بعيد عمليات نوعية استهدفت عددا من عناصر الجماعات المسلحة وخصوصا تلك النشطة في مجال تهريب البضائع والمخدرات وان كانت المعلومات المتوفرة حتى الآن تفيد بان اعتقال المجموعة الأخيرة تم خارج الأراضي الموريتانية ضمن سياسة اعتمدتها الدولة الموريتانية منذ توتير الأجواء بينها مع جمهورية مالي بعيد إطلاق الأخيرة لمسلحين سلفيين من أصول موريتانية كانوا محتجزين لديها علي شكل دفعات في عمليات تبادل لرهائن غربيين بعضهم اختطف علي أراضيها.
ووفق معلومات مهمة يتم تداولها الآن بين النخبة الأمنية الحاكمة فإن المجموعة العسكرية التي نفذت العملية كانت تخضع لتدريب مكثف من قبل "جنرالات" في الجيش الأمريكي متخصصين في مواجهة جماعات التهريب،وإن نفس المدربين لا يزالون علي الأراضي الموريتانية ضمن برنامج ترعاه القيادة الأمريكية في ألمانيا ويشرف عليه احد الشبان الأمريكيين من أصل موريتاني يعمل الآن كمعار للسفارة الأمريكية بنواكشوط لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد.
ولكن الورقة الأصعب في مواجهة الجماعات المسلحة الآن هو كيفية التعاطي مع المعتقلين حاليا بالسجن المركزي وخصوصا من ذوي الأحكام المخففة أو من الذين لا توجد أعمال كافية لإدانتهم رغم النزعة الجهادية لدي الكثير منهم والروح العدائية التي اكتسبوها من خلال معاملة قاسية تلقوها في زنازين الشرطة الموريتانية أو السجن المركزي بنواكشوط !!.
كما أن غياب الاستقرار السياسي في البلاد وتصاعد لهجة الأطراف السياسية ليس من شانه تحويل الأنظار عن الحرب الدائرة بين القوات المسلحة والعناصر الإرهابية المرابطة في الصحراء ،بل من شأنه دفع الحكام الحاليين إلي التعاطي الحذر مع عناصر هذه القوات تدريبا وتسليحا وضبطا ضمن حسابات معقدة تجعل منها عنصر اطمئنان لأي حاكم وعنصر قلق ومصدر خوف في ظل إمكانية استخدامها في أي عملية تغيير عنيفة للنظام ممكنة ومحتملة في ظل أوضاع مرشحة للتوتر وضمن سياق عام تعود أصحاب الشوكة فيه علي تجيير مجري الأحداث لصالحهم متي أرادوا ذلك؟!
نقلا عن الرابط التالي :
http://www.arabs.com/threads/1129-موريتانيا-والقاعدة-..-جذور-الأزمة-ومستقبل-الصراع-!!