vendredi 18 novembre 2011

عيد بنكهة المعاناة ...!! ( صور

في حين يعيش معظم المسلمين هذه الأيام أجواء عيد الأضحى المبارك السعيدة ... في حين يلبس الصغار ملابسهم الجديدة وتعلو وجوههم الفرحة وهم يدقون الأبواب طلبا "لمديونه" ... في حين يطبع جو التسامح والصفح وتبادل التحايا سلوك أغلب الأسر في هذا اليوم المبارك ...في حين يغادر حجاج بيت الله الميامين جبل عرفات متجهين إلى مزدلفة وتغمرهم روحانية تلك المشاعر وتتنزل عليهم رحمات ربهم ... في حين يصدح أئمة المسلمين فوق المنابر بأفضلية عشر ذي الحجة ومواصفات شاة التضحية ويحثون المصلين على التحلي بالاخلاق الحميدة ... كان هناك من لم يجد طعما لكل هذا ... كان هناك من يعاني  ..!!!
في غمرة الإنشغال بفرحة العيد، خالفت أسراب من "قواتنا الباسلة" إلى بيوت وأكواخ أنشغل أهلها مابين مفكر من أين يؤمن لأولاده ملابس العيد وعاكف على العبادة لتحصيل أكبر قدر من الثواب في هذه العشر، لتعيث فيها فسادا وتدمرها  في تحد صارخ لقوانين البشرية ونواميس الكون. وقد تميز العيد في هذه الأحياء بالحزن ولبس الناس للسواد ـ نفسيا ـ حدادا على ما أفسد المتحدثون باسم الوكن من أموال مواطنيهم.  
    
 فقد أمضى صاحب هذا البيت (الصورة) الكثير من وقته ـ على حساب تحصيل قوته وقوت عياله ـ في طوابير أمام مباني المقاطعة والبلدية للحصول على إذن قانوني للبناء، وقد حصل عليه مقابل 6000 أوقية. لكن ذالك لم يشفع له. 
وفي صباح ذالك اليوم المشؤوم (أقصد اليوم المبارك إذ كان من عشر ذي الحجة ) أنطلق ذالك المواطن المسكين إلى عمله، وانطلقت زوجته إلى السوق الشعبي لشراء ماتسمح به تلك الاواق التي ترك لها من لحم وخضار لإعداد وجبة غدائها. ولكن هدوء ذالك اليوم وروتينيته لم يستمرا، ولم ينتظر غبار الهدم أن تستريح ربة البيت بعد مشقة أختراق الكثبان حتى بشرها بما فعل "حماة الوطن"... 


 من سذاجة قواتنا الباسلة أنها تسمح للمواطن بالسكن ولكنه إذا اتخذ مراحيضا لتساعده على السكن الذي هو شرط في امتلاك بقعة الارض تهدمها ... كما كان مصير هذه المراحيض التي بنيت في بقعة لاتعاني من أي مشاكل مما يبرر به عادة الحاكم أفعال رسله المدججين ... وقد حوقلت صاحبة هذه المراحيض وحمدت الله وأثنت عليه (مسيرة لا مخيرة) عندما قارنت مصابها بمصاب جيرانها ..




وقد تختلف أسباب الهدم وأوقاته وردود الفعل تجاهه .. وقد يختلف وقع الخسارة من مواطن لآخر حسب حجم الخسارة ومقام الخاسر .. ولكن مالايختلف هو أن هذه منشآت مواطنين بذلوا فيها الغالي والنفيس وأنه لاشريعة سماوية ولاقانونا وضعيا يجيز مثل هذه التصرفات ... وأنه من مأمنه يأتى الحذر ... 





 

samedi 2 juillet 2011

The Dilemma of Identity … An Introduction


           The question of identity is, nowadays, one of the most problematic issues. Recently, it became one of the main purposes of academia in general. The issue of identity engendered and was the reason behind the appearance and spread of many studies and departments around the world. Yet, the problem is still unresolved and many questions are still on the surface such as:

- Who are we? What are we?

- On what basis / by means of what criterion one identifies him/herself?

- Who is the other? .... and so on and so forth.


Starting from the assumption that one cannot, to some extent, identifies him/herself, the majority of recent studies concentrated on the last question of the early mentioned ones. However, the issue of “who is the other” represented and still represents the main aspect of post-colonial studies, the main theme of postcolonial literatures, and the main issue discussed inside media studios.

Through taking many shapes, the issue of identity has been discussed and studied by many theorists and intellectuals during the last half of the 20th century. Edward Said alongside with Homi Bhabha and Spivak are considered as the main leading figures of theories dealing with the issue. As a result, many thinkers, analysts and literary icons as well as a long list of jargons, concepts and publications are, today, studied in numerous departments established around the world, mainly during and after 1980s, for the same goal.

The question of the “fact” of identity is inquired as early as the appearance of Man; when, according to the bible, the sons of Adam fought and Cain killed Abel to win his twin sister. Cain was trying to emphasize his identity by getting the most beautiful one of the two ladies then existed. The early appearance of fighting empires, each one seeking dominance over the other around the Mediterranean sea, was one of the incidents that problematized the issue of identity and its relation to power in all its guises race, class and main importantly religion. Afterwards, religion was the reason, or let’s say the explicit reason, behind the conquest of the “Dark Continents” by western missionaries to enlighten the “Fine Animals” as Joseph Conrad named them in his Heart of Darkness. The rise and the spread of the British Empire was, arguably, the strongest adoption of the trinity gender, race and class as norms by means of which one is distinguished and identified not only between the west and the rest, but also within the western society itself. Quick examples of that are the exclusion of United States, Australia and Northern Ireland from the post-colonial countries list by means of race and economy; as well as the superiority of the white man, in the popular mentality, over the white women, the white woman over the black man, and the black man over the black woman and so on.

During the colonization of the 19th and 20th centuries, many theorists raised again the matter of identity on the light of the status quo. The colonization of southern Asia and the scramble of Africa between western forces mainly the two, then, powerful ones France and Britain, represent another field which will be the engine of later on studies on identity including Marxist, Feminist and Orientalist studies. One of the main objects of such studies is to problematize the concepts and jargons including the triology of “race”, “gender” and “class” and trying as well, to answer such question as:

- What is gender? And who determines one’s gender? Is it biological or constructed?
- What is race? And who is allowed to construct racial dimensions?
- What is class? And on what basis society is divided into classes?

And the most important question:

- Are they all enough to determine one’s identity?

As a result of these studies, theorists came with the following:

Since “gender” is not biological, as Simone de Beauvoir clarified, but rather, socially constructed by means of religious, economic, and social powers; and “class” and “race” are also conventional, for there is neither one “blackness” nor one “whiteness”, identity then itself, is constructed and formed.

Edward Said’s Orientalism as well as Bhabha’s theories of Hybridity and Third Space, Spivak’s notion of Subaltern and Marx Das Kapital are all, alongside with other literary writings by Chinua Achebe, Ngugi Wa Thingo, Hanif Kureishi, Virginia Woolf, Selman Rushdie ... etc, considered as reactions to the western construction of Identities.

According to Said, in his analysis of the post-colonial situation, the interaction of identities is untenable, and the characteristics of each one are different from the characteristics of the other. The same standpoint is maybe, tacitly, supported by Bernard Lewis and his pupil Samuel Hantington when it comes to religious, mainly Islamic, and non-religious identities. Whereas for Bhabha, the fusion of identities yields blur states of “neither in nor out”, “ white but not quite” and so on and so forth.

To be continued …

jeudi 9 juin 2011

موريتانيا والقاعدة .. جذور الأزمة ومستقبل الصراع !!

مقال تحليلي للكاتب : سيد أحمد ولد باب
 
لم تكد تخرج البلاد من ألفيتها الثانية وماعاشته من ويلات الجفاف ونزعات الانفصال ومخاض السلطة حتى كان شبح العنف السياسي قد أخذ مجراه في النفوس مدفوعا بنزعة دينية لدي أغلب الشبان المحسوبين علي التيار السلفي وانتقامية لدي مجمل الأطفال المتخرجين من مدرسة الشارع أو المعروفين محليا ب"جينكات" خصوصا من طبقة الأرقاء السابقين أو بعض المنسوبين للزنوج.
ومع مطلع العقد الأول من الألفية الجديدة بدت الدولة غائبة عن ساحة المواجهة الفعلية منشغلة بالصراع الناجم عن سنوات العنف السياسي بعد سنين من الدكتاتورية القاتلة والتي كانت آخر أيام الرئيس المخلوع معاوية ولد الطايع تتويجا لها بما عرفته من اعتقالات وانقلابات وجراح وتهجير .
ورغم الحرب الإعلامية الشرسة التي شنها النظام ضد كل مظاهر التدين في البلاد فقد زاد الخطاب الديني في المساجد وعاد المئات من الشبان الموريتانيين إلي هويتهم الإسلامية الضائعة مدفوعين بأخطاء الماضي لكن هذه المرة إلي ساحة دينية غير منضبطة مع قليل من الزاد العلمي وسط موجة من دعاة التشدد كان أغلب روادها وموجهيها من خارج البلاد مستفيدين من الإنترنت والتلفزيونات لتوصيل خطابهم إلي الشارع الموريتاني كغيره من الدول العربية دون صورة واضحة عن اكراهات الواقع الذي يعيشه أو التحديات المختلفة للمرسل والمتلقي علي حد سواء.
ومع دخول البلاد لألفيتها الثالثة كانت نخب البلاد الشابة حائرة بين موجة تغريب تحتضر علي الأقل في الشارع وموجة تدين باتت تري في كل مكان ملهبة حماس الشباب ومغذية النزعة التحررية لدي جيل أغلب رواده من سكان البدو حديثي العهد بالمدينة.
وفي سنة 2001 شكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر ومجازر الاحتلال في جنين ورام الله،والحرب الدامية في أفغانستان كلها نذر تحول كبير في المنطقة المغاربية عموما وموريتانيا خصوصا وكانت أناشيد الجهاد القادمة من دول الخليج تحديدا قد بدأت تعيد الاهتمام لدي الشباب بقضايا المسلمين وتدفع الجيل السلفي الجديد إلي أخذ دوره في مسيرة رفض ممتدة من أفغانستان شرقا إلي جبال الجزائر غربا بعد أن استطاعت مجموعات العنف المحصورة في الصحراء الجزائرية تجديد شبابها وإعادة إنتاج خطابها من خلال ارتباط عقائدي وتنظيمي في وقت لاحق بالقاعدة التي مثلت النموذج الأهم لدي تلك المجموعات الشبابية في مقاومة المحتل ومناهضة الحكام كما تشي بذلك أدبيات الجهاديين مستفيدين في الوقت ذاته من أخطاء محتل تتضاعف ومظالم في الداخل تثقل كاهل الشارع العربي دون حل.
بوادر التحول
لم تكن أولي المقاهي التي فتحت في العاصمة نواكشوط  (الريان ، كيهيدي، سبير دليل..) مجرد محلات تجارية أو نوادي تسلية بل كانت علي النقيض بوابة لعبور نفسي لعدد من الشبان المتعلقين بالجماعات السلفية المقاتلة في أفغانستان ومحطة من محطات الدار الأخرى..
فكانت قصائد الشعر والمقالات الحماسية تملأ منتديات الإنترنت من قبل العديد من الشبان الموريتانيين لعل أبرزهم ساعاتها "عبد الملك ولد سيدي" الذي كان طالبا بالمعهد السعودي قبل إغلاقه وناشطا في جمعية إحياء السنة التي أسسها عدد من مشاييخ التيار السلفي بنواكشوط وكان التواصل قائما بين المجموعات الفتية من مقاتلي القاعدة حاليا والقيادة المتمركزة في جبال أفغانستان..
حمل العديد من الشباب الموريتانيين أفكارا بالغة الخطورة علي الوحدة العقائدية للشعب الموريتاني –كما يقول مناوؤوهم داخل الساحة- ،وانتشرت مجموعات داخل المساجد في مقاطعات "الميناء" و"دار النعيم" و"تفرغ زينه" وبدأت مظاهر الخروج علي القانون تلاحظ بقوة من قبل رواد تلك المساجد..
شكلت الكلمات القصيرة بعد الصلوات الخمس أبرز أجندة تلك المجموعات،واحتلت العقيدة ونواقضها أهم مواعظ الشبان الجدد ،ولم يسلم بعض الشيوخ والمتصوفين من ردات فعل غير محسوبة وصلت حد قطع "التمائم" في الشارع والطرد من الصفوف الأمامية كما حصل في "غزوة دار النعيم" التي قادها "حمادة ولد محمد خيرو" وثلاث من رفاقه لتحرير أحد المساجد ممن أسموه بالمبتدعة قبل أن ينتهي بهم المطاف في أحضان مفوضية الشرطة بالمقاطعة بتهمة ممارسة العنف داخل المسجد وتكدير صفو المصلين والإساءة لرواد بيوت الله..
لكن الأمور تطورت بعد ذلك بعد أن تمكنت مجموعات غير قليلة من المغادرة إلي أفغانستان" عن طريق العربية السعودية أو بعض الدول الإفريقية للالتحاق بمقاتلي القاعدة ولعل أبرزهم هو "أحمد ولد عبد العزيز" و"محفوظ ولد الوالد" (غادر من السودان مع رئيس التنظيم أسامة بن لادن وربما يكون معتقلا بطهران) و "أحمد مزيد ولد عبد الحق (غادر من السعودية وعاد إلي موريتانيا بعد ذلك حيث خضع للاعتقال والتعذيب قبل أن يقرر الانفصال عن الجماعة)،و"النعمان" الذي استشهد في احدي المواجهات العسكرية بمناطق "الأوزبك" وآخرون..
ومع دخول البلاد منتصف العقد الأول من ألفيتها الجديدة كانت عناصر التيار السلفي قد بدأت تعد العدة لإنشاء تنظيم دعوي في البلاد لاحتضان الطاقات الشبابية المتسربة وإعداد الكوادر للجهاد في أفغانستان والعراق مستفيدين من دعم مالي سخي من بعض التنظيمات والجمعيات الخيرية بالمشرق أو هكذا قال قادة التنظيم لاحقا في أمام ضباط الشرطة بعد اكراهات نفسية وبدنية عاشوها إبان الاعتقال.
شكل السلفيون الجدد أولي التنظيمات التي عرفتها الساحة السلفية في موريتانيا بعد سنوات من التشكل تحت مسمي "الجماعة السلفية الموريتانية للدعوة والجهاد" وسمي أحد أساتذة اللغة العربية أميرا لها بعيد عودته من العربية السعودية – كما تقول محاضر التحقيق المعدة من قبل الشرطة سنة 2005 - وأختير "عبد الملك ولد سيدي" مسؤولا عن التجنيد في الجماعة مع تفريغه من أي أعمال أخري مقابل مبلغ مالي قدره 100 ألف أوقية لمساعدته علي تدبير شؤونه الخاصة ،بينما تولي "أحمد القلقمي"(مطارد حاليا) مسؤولية التنظيم وتأمين المعلومات وقيادة مجموعة من الخلايا التابعة للتنظيم بمساعدة من أحد نشطاء الجماعة ممن أدين لاحقا بتهمة الإنتماء للقاعدة والتدريب داخل معسكراتها لمدة ثلاث سنوات، كما برز اسم المعتقل الحالي بسجون نواكشوط التقي ولد يوسف كأحد ألمع نجوم الشباب السلفي قبل اعتقاله في "النيجر" حيث يخضع حاليا للتحقيق من قبل قاضي مختص في قضايا الإرهاب..
عاش التنظيم أحلي فتراته في الفترة مابين 2004 إلي 2005 قبل أن تبدأ اعتقالات واسعة في صفوفه اثر إلقاء الشرطة القبض علي سبعة شبان كانوا يستعدون لمغادرة الأراضي الموريتانية إلي العراق بعيد تسرب أخبارهم لدي دوائر اجتماعية مقربة من بعضهم ولعل أبرزهم :
1- القيادي بالتنظيم حاليا حماده ولد محمد خيرو
2- الخديم ولد السمان
3- سيدي ولد حبت
ولم تلبث أوراق التنظيم السلفي الجديد أن انكشفت أمام ضغط الأجهزة الأمنية وتعذيب العناصر المكلفة بالتحقيق في ظل غياب سند حقوقي للمعتقلين ليكون رئيس التنظيم المفترض محفوظ ولد ادوم من أوائل المعتقلين مع مستشاره مزيد ولد عبد الحق ومجموعة من الفقهاء السلفيين لعل أبرزهم هو :
عبد الله ولد أمنيو
أبو بكر ولد عبد الرحمن
أحمد مزيد ولد عبد الحق
بينما استطاع العشرات من الشبان المنتمين للحركة الجديدة الفرار من قبضة الشرطة والخروج إلي وجهات متعددة لعل أبرزها صحراء مالي حيث معاقل الجماعة السلفية للدعوة والقتال المحظورة في الجزائر وهي الرحلة التي كانت بمثابة تحول بارز وتاريخي في حياة التنظيم واحدي محطات التأسيس للعنف السياسي المتدثر بعبائة الدين بموريتانيا..
مواجهة مثيرة
مع بداية مايو 2005 كانت الحكومة الموريتانية بقيادة الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع قد دخلت في مواجهة مفتوحة مع الجماعات الإسلامية المسلحة بعد سنوات من اختبار الصبر المتبادل لتكون عملية "لمغيطي" بمثابة رصاصة الرحمة علي أي جهد داخلي أو خارجي من شانه نزع فتيل الأزمة أو تجنيب الطرفين حربا كان من المفترض أن تتأجل لبعض الوقت بحكم التحديات المشتركة وغياب أي مبرر للصدام المبكر..
استغلت الجماعة السلفية للدعوة والقتال غفلة الجيش الموريتاني عن حدوده الشرقية والشمالية لتوجيه ضربة قاسية لأجهزة الدولة انتقاما لما أسمتهم بالمجاهدين الأسري في سجون نواكشوط مخلفة 15 قتيلا من عناصر الجيش و32 جريحا بعضهم بإعاقة دائمة وصدمة داخل الشارع الموريتاني الذي اكتشف فجأة دموية التنظيم وجرأته علي استباحة دماء الآمنين ولو كانوا من أبناء الجيش البعيدين ساعتها عن الصراع السياسي.
ردت نواكشوط بقبضة أمنية قوية في الداخل وأرخت العنان لضباط وعناصر الشرطة لممارسة أبشع صنوف التعذيب داخل الزنازن والمعتقلات وتساقط عناصر الجماعة السلفية في الداخل واحدا تلو الآخر تحت الضغط الأمني أو الغباء التنظيمي بعد أن لعبت الهواتف لعبتها في اعتقال العشرات منهم بينهم مجندون كانوا ينوون الالتحاق بالتنظيم في صحراء مالي قبل أن يسقطوا في أيدي الأجهزة الأمنية المنتفضة في وجه التنظيم بعد أن مرغ أنوف عناصر الجيش في صحراء وجبال "لمغيطي" كما يقول ناشطوه ..
شكلت الحادثة بذاتها ضربة قوية ليست للجيش فحسب بل للجماعة التي تم الفصل بين جناحيها ، جناح الشيوخ بما يمثلونه من رمزية وقيمة علمية للحركة بقيادة احمد مزيد ولد عبد الحق ،محفوظ ولد ادوم،سيد أحمد ولد زاروق الملقب الشاعر ، وأستاذ الحديث بالمعهد السعودي أحمد،وأستاذ العقيدة بنفس المعهد سابقا أبو بكر ولد عبد الرحمن ،وجناح الشباب المتأثر بالجماعة السلفية للدعوة والقتال والذي ذاق أغلب عناصره ويلات التعذيب داخل المعتقل واصطدم بضعف القيادة أمام أول اختبار لها في مواجهة الأجهزة الأمنية.
ومع وصول قادة المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية الحاكم سابقا إلي السلطة بدأت الحكومة التي قادها الوزير الأول سيدي محمد ولد بوبكر في تأسيس جدي للفصل بين الجماعات الإسلامية العاملة في موريتانيا من خلال عزلها للمعتقلين السلفيين عن معتقلي الأخوان وجماعة التبليغ مستندة علي رأى القائد العسكري للحرس الرئاسي محمد ولد عبد العزيز الذي أبلغ ذويهم بنفسه معارضة المجلس لأى صفقة من شانها استفادة المعنيين من حرية ولو مؤقتة قائلا إنه مقتنع بانخراطهم في مخطط تدميري ضد البلاد وعلاقاتهم بالجماعة السلفية للدعوة والقتال طالبا من حكومة المجلس مواصلة حربها ضد عناصر التنظيم داخل وخارج موريتانيا.
ومع دخول البلاد أجواء الانتخابات النيابية والبلدية تراخت القبضة الأمنية في موريتانيا واستفاد التنظيم من أجواء الانفتاح التي عاشتها البلاد،وعاد عدد من عناصره الفارين للقيام بأدوار جديدة لعل أهمها هو إعادة تشكيل الخارطة السلفية في موريتانيا وتجنيد أكبر عدد ممكن من الشباب الرافضين للواقع القائم.
تولي الثلاثي عبد الرحيم أنواجري ،وعبد الملك ولد سيدي،والتقي ولد يوسف إعادة ترتيب المشهد مستعينين بالخديم ولد السمان العائد بعد رحلة فرار قادته إلي السينغال وجمهورية مالي ،ومحمد الأمين المجلسي ذو الخلفية الشرعية الذي كان يستغل مساجد مقاطعة "لكصر" لتوضيح بعض المعتقدات السلفية وشكل عاملا مهما في إعادة الثقة بالمجموعة الشابة التي انفصلت نهائيا عن القيادة وباتت تتهمها بالتخاذل والرضوخ للسلطان الكافر تحت ضغط السجن بعد صدور آراء ومقابلات وتصريحات عن المجموعة المعتقلة تحرم الخروج علي السلطان بالسلاح وتؤمن بعدم مشروعية قتال عناصر الجيش.
شكلت الساحة السلفية تربة خصبة للتجنيد وبات القائد العسكري الجزائري الآخر "يحي أجوادي" لديه أتباعه من الموريتانيين بالتوازي مع تحركات القائد السلفي الآخر "بالمختار الملقب بالعور" وهو ما كانت له نتائج سلبية بالغة علي عمل التنظيم حيث عمل الطرفان علي توتير الأجواء بسرعة لإعادة ضبط المشهد من خلال عمليات القتل التي قامت بها مجموعة "الجوادي" ضد العسكريين الثلاثة قرب "الغلاوية" بينما كانوا في عملية استطلاعية يجريها الجيش باستمرار في المنطقة لتأمين بعض العاملين الغربيين في شركات التنقيب وهي العملية التي يعتقد آن "ولد أحمدناه" ورفاقه المعتقلين حاليا تولوا وزرها بعيد اعترافهم بذلك أمام العناصر الأمنية التي تولت التحقيق في الملف.
كما لم تتأخر ردة فعل المجموعة المحسوبة علي "بالعور" في لفت الانتباه إلي نشاطها من خلال عملية اغتيال نفذها ثلاثة من المنتمين إلي مجموعته قرب مدينة "الاق" في الرابع والعشرين من دجمبر 2008 قبل أن يتبين أن سيدي ولد سيدينا ومحمد ولد شبرنو ومعروف ولد الهيبه كانوا هم الجنود الثلاثة الذين اعتمدت عليهم القاعدة في عمليتها التي أثرت في المشهد الداخلي وأعادت رسم توازن السلطة بين الجيش والرئيس المدني سيدي محمد ولد الشيخ بعد الله الذي كان يميل إلي التهدئة مع التنظيم وفتح قنوات حوار معه من خلال مجموعة "القيادة" سابقا التي باتت معزولة فعليا عن ما يخطط له داخل أو خارج البلاد من عمليات وخطط مستقبلية.
نجحت السلطة في اعتقال المجموعة بتعاون دولي قادته فرنسا الجريحة ،واعتقلت بعدهم العشرات من منتسبي التنظيم أو المتعاطفين معه وشددت قبضتها الأمنية علي الحدود البرية لموريتانيا ،لكن ظلت خيوط اللعبة الخارجية غائبة وظلت المعلومات المتوفرة عن نوايا التنظيم شحيحة رغم الجهود التي بذلتها السلطات الأمنية لاختراق الجماعة السلفية للدعوة والقتال..
وفي سنة 2009 عادت الجماعة السلفية لتضرب بقوة لكن هذه المرة داخل العاصمة نواكشوط بعد أن استطاع بعض الشبان المتسللين عن طريق المنافذ الشمالية لموريتانيا العبث بأعصاب الأجهزة الأمنية بعد قيامهم بعمليات نوعية كضرب السفارة العبرية بنواكشوط ليلا واعتراض أموال "الميناء" مساء ،وتهريب سيدي ولد سيدينا ضحي من قصر العدالة واغتيال ضابط وجرح تسعة من عناصر الشرطة في مواجهات استمرت لدقائق بأحد أحياء العاصمة تفرغ زينه قبل أن ينجح عدد من المشرفين علي العمليات في المغادرة مستفيدين من حالة الإرباك القائمة داخل أجهزة الدولة وغياب أي معلومات أصلا عن تواجدهم علي الأراضي الموريتانية قبل المواجهات الدامية مع الأمن ولعل أهم المغادرين بعد المواجهات هم الرباعي :
1- الطيب ولد سيدي عالي
2- عبد الرحمن النواجري
3- التقي ولد يوسف
4- عبد المالك ولد سيدي
وقد أدي تردد البعض الآخر في سقوط عناصر الخلية التي نفذت العملية مابين قتيل أو أسير لدي الأجهزة الأمنية وهم :
1- أحمد ولد الراظي (قتل)
2- موسي ولد اندي (قتل)
3- الخديم ولد السمان (اعتقل)4
4- معروف ولد الهيبه (اعتقل)5
5- سيدي ولد سيدينا (اعتقل)
6- محمد ولد السمان (اعتقل)
7- دحود ولد السبتي(اعتقل)
8- محمد الأمين المجلسي (اعتقل)
9- أبو البتار (اعتقل)
لكن الحكومة الموريتانية المنتشية بنجاحها النسبي في مواجهة مجموعة القاعدة المرتبطة بالجزائري "بالعور" تجاهلت مخاطر ضربة محتملة عود فرع التنظيم الآخر عليها أنصاره ومتابعوه للفت الانتباه إليه وإعادة الإيحاء بقوته في أي مواجهة محتملة مع جيوش المنطقة لتكون "مجزرة تورين" اقوي وأصعب ضربة يواجهها الجيش بعد عملية "لمغيطي" الأولي بعد أن سقط 11 جنديا في كمين نصبه مقاتلوا التنظيم وتم قطع رؤوس الجميع ودفنهم في رمال الصحراء المتحركة بينما استطاع بعض رفاقهم الفرار من قبضة المهاجمين الذين كان من بينهم موريتانيون لعل أبرزهم هو القيادي السلفي المعتقل حاليا ولد أحمدناه الذي تم اعتقاله في مقاطعة "لكصر" بعد مواجهة مع قوي الأمن اثر عودته لتنفيذ بعض الأعمال التي كان مكلفا بها ومنها اغتيال الأمريكي رميا برصاص باعتباره ضالعا في عمليات ترويج للفكر المسيحي بموريتانيا وهو ما أعاد المواجهة بين الطرفين إلي الواجهة من جديد.
تحديات قائمة
ومع دخول البلاد نهاية 2009 وبداية 2010 كانت المؤشرات الأولية تفيد بأن القادة العسكريين الجدد قد استعادوا زمام الأمر من خلال إعادة ترتيب المشهد العسكري والأمني بتغييرات واسعة والدفع بأموال طائلة لسد الثغرات الأمنية التي ظلت مثار جدل.
عكف الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز وقائد أركان جيشه العقيد محمد ولد الغزواني علي إعادة ترتيب المؤسسة العسكرية مستحدثين وحدات عسكرية خاصة لمواجهة القاعدة عهد إليها بإعادة الانتشار علي الحدود والتحرك لضمان عدم نفاذ مقاتلي التنظيم إلي الأراضي الموريتانية وتقديم النجدة والمساعدة لعناصر أمن الحدود الذي ثبت ضعفهم في مواجهة مقاتلي التنظيم بفعل ضعف الآليات التي يمتلكون وغياب الخبرة الكافية للتعامل مع هذه المجموعات المدربة جيدا والمتمرسة علي قتال الجيوش النظامية وفي أصعب الظروف ..
أبقت قيادة أركان الجيش علي تبعية الوحدات لها مباشرة لضمان الفاعلية وسرعة التنسيق وأوكلت مهمة متابعة الأمر إلي نائب قائد الأركان العقيد محمد ولد أزناكي بعد عودته من عملية الإبعاد القسري إلي السينغال كملحق عسكري بها بعد أسابيع من رحيل النظام الانتقالي السابق الذي قاده الضابط العقيد اعل ولد محمد فال.
ولمواجهة تلك التحديات ألغت القيادة الجديدة خططها السابقة الرامية إلي بناء قاعدة عسكرية أمريكية بشمال البلاد،وعهد إلي الحليف التقليدي فرنسا ببناء تلك القاعدة قبل أسابيع فقط من وصول معدات الأمريكيين إلي ميناء نواكشوط ..
ورغم أن القوات الموريتانية استعادت زمام السيطرة علي الشريط الحدودي بعد عقود من الفوضي فإن العديد من التحديات لا يزال ماثلا أمام المتابعين للملف ولعل الأخطر والأهم ماكشفته عمليات خطف السياح الفرنسيين خلال سنة 2010 من ثغرات أمنية ظلت قائمة رغم علم السلطات الموريتانية ببعضها وخصوصا طريق المهربين الشهيرة بين نواذيبو وافديرك والتي كثيرا ما استخدمها عناصر الجماعة السلفية في التزود بالبضائع والمعدات والسيارات مستغلين نفوذ بعض رجال المال والأعمال في موريتانيا لتمرير طلباهم مرورا بالشريط الحدودي مع الصحراء الغربية والجزائر.
لكن الإحراج الذي شعرت به نواكشوط بعيد العمليتين دفعها إلي إعلان حدودها مع الجزائر منطقة عسكرية مغلقة يحرم التحرك فيها في أي وقت دون تصريح من القوات الموريتانية المتمركزة هنالك ، وحددت ثلاثة منافذ فقط للعبور تحت طائلة إطلاق النار بشكل فوري علي من يستخدم غيرها لدي دخوله أو خروجه من الأراضي الموريتانية باعتباره من مهربي البضائع أو المخدرات أو مقاتلي الجماعات المسلحة النشطة في الصحراء..
وقد برهنت الخطة الموريتانية الجديدة علي نجاعتها كما يقول قادة المؤسسة العسكرية بعيد عمليات نوعية استهدفت عددا من عناصر الجماعات المسلحة وخصوصا تلك النشطة في مجال تهريب البضائع والمخدرات وان كانت المعلومات المتوفرة حتى الآن تفيد بان اعتقال المجموعة الأخيرة تم خارج الأراضي الموريتانية ضمن سياسة اعتمدتها الدولة الموريتانية منذ توتير الأجواء بينها مع جمهورية مالي بعيد إطلاق الأخيرة لمسلحين سلفيين من أصول موريتانية كانوا محتجزين لديها علي شكل دفعات في عمليات تبادل لرهائن غربيين بعضهم اختطف علي أراضيها.
ووفق معلومات مهمة يتم تداولها الآن بين النخبة الأمنية الحاكمة فإن المجموعة العسكرية التي نفذت العملية كانت تخضع لتدريب مكثف من قبل "جنرالات" في الجيش الأمريكي متخصصين في مواجهة جماعات التهريب،وإن نفس المدربين لا يزالون علي الأراضي الموريتانية ضمن برنامج ترعاه القيادة الأمريكية في ألمانيا ويشرف عليه احد الشبان الأمريكيين من أصل موريتاني يعمل الآن كمعار للسفارة الأمريكية بنواكشوط لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد.
ولكن الورقة الأصعب في مواجهة الجماعات المسلحة الآن هو كيفية التعاطي مع المعتقلين حاليا بالسجن المركزي وخصوصا من ذوي الأحكام المخففة أو من الذين لا توجد أعمال كافية لإدانتهم رغم النزعة الجهادية لدي الكثير منهم والروح العدائية التي اكتسبوها من خلال معاملة قاسية تلقوها في زنازين الشرطة الموريتانية أو السجن المركزي بنواكشوط !!.
كما أن غياب الاستقرار السياسي في البلاد وتصاعد لهجة الأطراف السياسية ليس من شانه تحويل الأنظار عن الحرب الدائرة بين القوات المسلحة والعناصر الإرهابية المرابطة في الصحراء ،بل من شأنه دفع الحكام الحاليين إلي التعاطي الحذر مع عناصر هذه القوات تدريبا وتسليحا وضبطا ضمن حسابات معقدة تجعل منها عنصر اطمئنان لأي حاكم وعنصر قلق ومصدر خوف في ظل إمكانية استخدامها في أي عملية تغيير عنيفة للنظام ممكنة ومحتملة في ظل أوضاع مرشحة للتوتر وضمن سياق عام تعود أصحاب الشوكة فيه علي تجيير مجري الأحداث لصالحهم متي أرادوا ذلك؟! 
نقلا عن الرابط التالي : 
http://www.arabs.com/threads/1129-موريتانيا-والقاعدة-..-جذور-الأزمة-ومستقبل-الصراع-!! 

jeudi 2 juin 2011

إلى متى التعلق بسياسة التملق ؟؟؟

بقلم : محمد فاضل ولد محمد يحي ( التراد) 

حين تتعدد الموازين وتكال الأمور بمكيالين وتغلب المصلحة على الحقيقة وتتقلب المواقف للدقيقة وتباع المبادئ بأرخص الأثمان حتى ولو كان المشترى مارد شيطان تشرع للدفاع عنه الأقلام وتعرض الأمة من أجله لنكسات وآلام حينها فلنقل على الأرض السلام.  وممايزيد من عظم البلاء واستفحال الداء تلك الصورة التى تبرز للعيان كلما حاول شخص من آن لآن أن يستطلع آراء أهم شريحة فى المجتمع ويستفسرها عن أمر حدث أويتوقع فى عالم أصبح من الواضح فيه أن الجل يسعى لتشويه الإسلام والتأثير عليه، شباب حينما تحاول وضعهم فى الصورة تصطدم بخواطر مكسورة ونفوس مذعورة تعود أهلها على النكبات وفقدوا الثقة فيما مضى وفيما هو آت رفعو راية الاستسلام وخافوا حتى من الكلام تعودوا حياة الذل والهوان فارتكبوا أبشع الجرائم فى حق الأوطان.
 وحين اكتشفوا أن الأمة ليست عقيمة وأنها أنجبت رجالا سيعيدون سيرتها القديمة خافوا من الملامة فاتبعو سياسة النعامة اتخذو كل وسيلة متاحة وبكل خبث ووقاحة من أجل عرقلة المسيرة لأغراض خبيثة شريرة.
عفوا ان كنت عممت فى الكلام وعكرت صفو بعض قرائى الكرام لاكني فقط أقول لمن يحمل هذه الصفات أوشعر أنه معني بتلك الكلمات أن يحفظ ما تبقى من ماء وجهه وأن يخلص النية مع وطنه وأهله وأن يعرف أن التغلب على الواقع المرير يأتى من الاستماع لنداء الضمير وأن نهضة يقودها شباب لن يعيقها نباح الكلاب فليكف عن القيل والقال وليطرح على نفسه هذالسؤال الى متي التعلق بسياسة التملق؟.

انواكشوط 26 مارس 2008  

dimanche 22 mai 2011

الثورة في زمن موت الإيديولوجيا


بقلم :الشيخ ولد محمد الأمين مزيد 

الإيديولوجيا، بالمعنى الأصلي، اللغوي، هي البحث في منشأ الأفكار، والثورة هي انقلاب على هذه الأفكار وعلى مختلف تجسيداتها في الواقع، انقلاب على الأشخاص والمؤسسات.
وعلى مختلف الرموز التي ترسخ هذه الأفكار أو تدافع عن مشروعيتها، فالثورة ثورات والإيديولوجيا إيديولوجيات، تموت الإيديولوجيات وتفسد مآلاتها بتغير المعطيات الواقعية التي عكستها، بلغة ماركس، لكن الثورات تجدد نفسها، كما يجدد النهر مياهه كل وقت وحين، لأنها، ببساطة، تجسد الإنسان في طبيعته الأولى، وهو يحن إلى الخلاص.
لقد قيل وكُتب الكثير عن مفهوم الثورة هذا وصرفت ثروات طائلة في منتديات ومنشورات يدعي أصحابها أنهم وجدوا سبيلا إلى الثورات، لينتظر العرب عقودا طويلة بين رومانسية الشعارات الثورية وطغيان من نصّبوا أنفسهم حراسا لمعابدها «المقدسة»، لتندلع شرارتها الأولى على يد بائع متجول وليس على يد حزب طليعي أو نخبة طليعية، ولم تكن علتها بسبب «حتمية» إيديولوجيا، واقعية كانت أو طواباوية، بل بسبب بسيط هو الاحتجاج على مصادرة عربة لبيع الخضر.. إنه تاريخ جديد يُكتَب، تاريخ نحن شهوده ومنا شهداؤه.. فلا قصائد مظفر النواب وسميح القاسم ولا أغاني مارسيل خليفة والشيخ إمام استطاعت أن تخلق لدى الإنسان العربي حافزا للثورة، لذلك تفتح «المساء» ملف الثورات في زمن موت الإيديولوجيات، لأنه حديث الساعة، ولأن ما سيأتي بعده سيغيرنا، إلى الأبد، فإذا كان ماركس ولينين وماو وتشي غيفارا ولومومبا وعبد الناصر والخميني قد ماتوا مرتين، عندما أصبحت مقولاتهم في حل مما يجري اليوم، فإن جذوة الثورات في الشعوب لم تمت.. هو ملف نلتفت فيه إلى ما يجري في العالم العربي اليوم، نقرؤه ونستنطق أبعاده وتأثيراته، فما يجري أكبرُ من أن تستوعبه فكرة أو حزب أو إيديولوجيا، إنه طوفان يجمع المتناقضات من أطرافها، الافتراضي والواقعي، الفردي والجماعي، الإقليمي والدولي، ويحمل معه أحلام وأمال الجميع..
يمكن القول إن مفهوم الثورة، عموما، مفهوم زئبقي بامتياز يصعب القبض عليه، فهو لا ينتمي إلى ما يسميه المنظرون، مثل ألتوسير، «المفاهيم القوية» (Les concepts forts)، كما أن علاقته بالظروف والشروط التاريخية التي يتحقق فيها كحدث تاريخي تحوله إلى مفهوم متعدد الدلالات، متلون بألوان اللحظات والحقب التي أفرزته وبالثقافات السياسية للشعوب والجماعات البشرية التي أنجزته، لذا ينبغي الحديث عن مفاهيم عديدة للثورات، عوض الحديث عن مفهوم واحد، علما أن نظريات العلوم السياسية كثيرا ما تفادت الخوض فيه ومعالجته نظريا، بحكم الالتباسات العديدة التي طالته. تُنجَز الثورة كمفهوم وكحدث هنا والآن، في لحظة زمنية فارقة وداخل عقدة تناقضات متأزمة على كل الأصعدة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية. إنها أشبه ما يكون بشرخ يحدث في الزمان والمكان، فيصير له أول يسبقه وما بعدُ يليه، قد يمتد هذا الشرخ في سيرورة زمنية طويلة وصامتة أحيانا كثيرة، هي السيرورة المتعلقة بنضج الشروط والمعطيات المؤدية إلى انبجاسه، لكنه يحدث في برهة زمنية محدودة، يشتعل كحدث تاريخي، اشتعال النار في الهشيم، ليحرق كل شيء من حوله، أي كل سمات الواقع السياسي المأزوم والمحجوز الذي ثار ضده الناس أو الشعب أو الحشد الهلامي الغُفْل، لأن القوى الاجتماعية المحركة للثورات غالبا ما تكون متعددة ومخترقة بتناقضاتها وتنويعاتها. الثورة وتأثيرها في التاريخ.
والغريب أن هذه السيرورة المنبجسة تؤثر أحيانا كثيرة في مسارات تاريخية طويلة في الزمان وواسعة في المكان وتتحول من مجرد حدث يوقف حركية التاريخ إلى حدث ينتج التاريخ هو ذاته، أي يؤرخ للأحداث انطلاقا منه، تماما كما حدث مع كل الثورات التي أثثت التاريخ البشري، منذ الثورة الفرنسية وحتى الثورة الإيرانية في نهاية سبعينيات القرن الأخير، مرورا بأخرى عديدة. يقودنا هذا إلى القول ضرورة إن الثورات هي، أولا وأخيرا، أحداث تاريخية، مثل الغزوات والحروب والاحتلالات وغيرها.
يؤكد الكثير من الفلاسفة والدارسين، ومن ضمنهم كانْط، أن الثورات لا تدوم إلا لحظة اشتعالها، أي أنها في الغالب الأعم تكون حدثا لا غد له، سواء بالنسبة إلى الفعَلة التاريخيين فيه أو إلى منظريه وقادته، ومسألة انعدام الغد هذه لا تقاس بالزمان أو بالعقود المتتالية، بل بمدى قدرة الثورة على الحفاظ على زخمها القوي ونفَسها المُلهِم ومحتواها التغييري المتجدد.
هناك من الفلاسفة من يرفضون الثورة رفضا تاما ويعتبرونها نوعا من الخراب الذي يصيب البنية الاجتماعية والسياسية ويهدد أسس الدولة وكيانها، وهو ما ذهب إليه سبينوزا حين أدان في كتابه «رسالة في السياسة»، القلاقل والانتفاضات ووقائع الشقاق والانفصال، بمختلف أنواعها.
بهذا المعنى، يتم الحديث عن الثورات التي تأكل أبناءها أو تتم خيانة مبادئها وتوجهاتها من طرف قادتها والفعَلة الأساسيين فيها، كما حدث في الثورة الفرنسية، التي شهدت قطع أعناق البعض من زعمائها وخطبائها، مثل دانتون وروبسبيير وغيرهما، والثورة الإيرانية، التي سرعان ما انقلب فيها رجال الدين من «الملالي»، بزعامة الخميني، على حلفاء الأمس من اليساريين والليبراليين، ليُعدَم البعض ويفر آخرون خارج البلاد، إضافة إلى أمثلة عديدة أخرى. ضمن هذا السياق أيضا، رأينا كيف أن الثورة الروسية سنة 7191 سرعان ما أفرزت، بعد وفاة لينين، مُنظّرِها وقائدها الأساسي، نظاما إجراميا بزعامة ستالين، نصب المشانق لرفاق الأمس ونظم محاكمات موسكو الشهيرة، ونفى إلى «الغولاغ» العديد من الثوريين والمنشقين. معنى هذا أن الثورة لا يخوضها بالضرورة أشخاص شبيهون بالملائكة ولا تكون، من حيث هي حدث تاريخي، بريئة إلا لحظة اشتعالها وانبجاسها، أما بعد فإنها تلج حيزا مبهما ومناطق غامضة من التحالفات والتسويات والتراجعات التي تقودها حتما إلى الجمود والتحجر داخل نظام سياسي جامد يحكمه زعيم وحزب واحد، وبعدها إلى الانهيار والانمحاء، حيث لا يبقى لها وجود كواقع سياسي وتظل مجرد موضوعة مذكورة في كتب التاريخ، كما حدث مع الثورة الروسية، التي انهارت تحت وطأة سياسة الشفافية، التي أعلنها غورباتشوف، بعد أكثر من ستة عقود على اندلاعها.
يقودنا هذا، بالضرورة، إلى الحديث عن مسألة العلاقة بين الثورة والشرعية. كثيرا ما تنحو الثورات، عموما، منحى الحفاظ على ما تسميه «الشرعية الثورية»، التي تتمأسس في جهاز دولة ونظام سياسي لا وجود لخيارات أخرى خارجه، وهي الشرعية التي تتآكل بفعل عوامل التعرية التاريخية والتغييرات الطارئة والسريعة التي تطال العالم. باسم هذه «الشرعية الثورية»، المفترى عليه، مارست أنظمة سياسية فاشية واستبدادية جرائمَ مهولة ضد شعوبها وضيّقت الخناق على الجماعات البشرية وعلى الأقليات العرقية والثقافية، إذ كيف يمكن إضفاء الشرعية لأمد طويل على شيء غامض أساساً كالثورة، إذ لم يتم بعد ذلك التفكير في تدعيمها بشرعية ديمقراطية، تتمثل في بناء مؤسسات مدنية منتخَبة ديمقراطيا وذات تمثيلية حقيقية للحشود من الناس الذين خيضت هذه الثورة باسمهم…
إن التفكير في الشرعية الديمقراطية وتأسيسها، بشكل ملموس، هو بناء لمستقبل الثورات بناء إيجابيا وفعالا يهم الكل ويكون لصالحه، أما الاكتفاء بالشرعية الثورية، كما فعلت العديد من الثورات، فيدخل في باب خداع النفس، السياسي والتاريخي، حيث يتحول ثوار الأمس إلى مستبدي اليوم ولا يبقى متألقا من الثورة، كما حدث مع الكوبية مثلا، غير «أيقونة» غيفارا، مرسومة على قمصان شباب اليوم، غيفارا، الذي تخلى عن النظام السياسي وذهب إلى أعالي بوليفيا، باحثا عن نجمة القطب الوحيدة التي أضاءت وجوده، أي عن «يوتوبيا» الثورة، قبل أن يُغتال أعزلا ومنهَكَ القوى… الثورة كبديل للواقع.
لا تستمد الثورة شرعيتها، بالضرورة، من حدث انبجاسها واشتعالها، بل من قدرتها على الاستمرارية كبديل يضيء وجود الناس في حياتهم اليومية ويتماهى مع رغباتهم ودوافعهم، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو اجتماعية أو حضارية، ويدعم حرياتهم، الفردية والجماعية، ويضمن حقوقهم. لكن المشكل المطروح هو أن الثورات، عموما، منذورة للخيانة، لأن الناس الذين يتظاهرون في الشوارع والميادين العامة هم أول من يتم تجاوزهم، حين تكتمل الثورة، لأن الثورة المضادة، كما ترى المؤرخة الفرنسية سيلفي أبريل، تتكيف مع بعض الطالب السياسية وتتبناها، لتحولها إلى أدوات لممارسة سلطتها. ليس من قبيل التشاؤم أبدا القول إن الثورات لا مستقبل لها، ولكن قولا كهذا لا يعني، بالضرورة، «إفلاس» مفهوم «الثورة» أو تجاوزه، لأنه محرك من محركات التاريخ الأساسية.
عوض الحديث عن أسباب الثورات، ينبغي الحديث تحديدا عن الشروط الناضجة لانفجارها، ومن ضمنها الرغبة الجماعية العارمة في تجاوز حاجز الخوف والإحساس بالعار الذي يكبل الكل، ناهيك عن الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تطال الحياة اليومية للناس. إن الأنظمة السياسية التي تُشيّد ممارستها الاستبدادية على إشاعة الخوف والخنوع بين الناس غالبا ما تمارس نفوذها وسلطتها إلى حين، لكنها تنهار بعد ذلك بمجرد أن يكتشف الكل بأن الإحساس بالخوف مرتبط بمتخيل الخضوع الذي يكبل أرواحهم ويجعلهم عاجزين عن ممارسة الحرية، غارقين حتى النخاع في إيجاد تبريرات واهية لعبوديتهم. يكتشف الناس حينها، أيضا، أن الشرعية تتعلق بطبيعة الشروط السياسية التي تخلقها، إذ كما أن الثورة تؤسس عبر حدث انبثاقها بالذات لشرعيتها، فإن الأنظمة الاستبدادية تؤسس لشرعيتها عبر ممارسة سياسة قامعة للحريات، كيفما كانت. معنى هذا أن الشرعية ليست معطى جاهزاً بل هي سيرورة تبنى شيئا فشيئا، عبر الخطابات والأحداث والممارسات، وأنها متنوعة بتنوع السلط أو الممارسات السياسية التي تستند إليها، وهذه النقطة المرتبطة بالشرعية بالذات هي ما عكف المحترفون الثوريون على إنتاجه وتدعيمه، عبر تنظيراتهم وكتاباتهم الإيديولوجية. خيضت أغلب الثورات، بدءا من الروسية وحتى حدود الإيرانية، انطلاقا من التنظيرات الإيديولوجية التي أنتجتها قادتها والفعلة الأساس فيها، وتكفي هنا العودة إلى مؤلفات لينين وتروتسكي أو إلى كتابات منظري الثورة الفرنسية أو إلى ما خص به الخميني الثورة الإسلامية للتأكيد على ذلك، والنماذج في هذا السياق تربو عن الحصر. لكن انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين (9891)، جسدا معا، كحدثين هامين، انهيار الإيديولوجيات أو موتها تحديدا، لأن العوامل الإيديولوجية التي حركت الشعوب، مثل الاشتراكية والشيوعية وغيرهما، آلت إلى مآلات تاريخية كارثية، بحكم التطبيقات والتجسيدات السياسية التي قضت على الكثير من الجوانب الإيديولوجية الإيجابية، وذاك، بشكل من الأشكال، ما سماه فوكوياما حينها «نهاية التاريخ»، في مقاله الشهير، أي موت الإيديولوجيات الإنسانية نوعا ما، والتي أخفقت في الحفاظ على إنسانية الإنسان. لقد رامت الإيديولوجيات، حينها، إنتاج خطاب نظري متماسك لعقلنه الثورة، تحويلها من مجرد حدث طارئ إلى مبدأ يُستعمَل من طرف الكثيرين، منظرين ونخبا سياسية، لتفسير السيرورة التاريخية وتبريرها، باسم التقدم والتطور.
إن إحدى السمات الدالة على موت الإيديولوجيا، باعتبارها القاعدة التي تُشيَّد عليها الثورات والتحولات التاريخية، هي أن أغلب الثورات في ثمانينيات القرن الماضي في أوربا الشرقية اشتعلت بدون خلفيات إيديولوجية، عدا المطالبة بالديمقراطية والحريات واحترام حقوق الإنسان، وكانت في الأغلب، منذ الثورة البولونية التي بدأت سنة 0891، سلمية وجماعية في طبيعة القوى الاجتماعية المحركة لها، وتعرضت للقمع أولا، قبل أن تنتصر في نهاية المطاف. وعوض الإيديولوجيات التي ماتت، يمكن الآن الحديث عن رغبات وإرادات وأفكار تحررية، تكون هي الخلفية الكامنة وراء الانتفاضات والثورات، أي محفزات على مقاس الإنسان المنخرط في حياته اليومية وصعوباتها، محفزات قد تبدأ من المطالبة بالخبو أو ب«العِيشْ» (باللهجة المصرية) وتنتهي بالمطالبة بالكرامة أو العكس. لقد كان دالا في ثورة «الياسمين» في تونس «منظر» ذلك الرجل العجوز ذي الشعر الأشيب وهو يبكي فرحا، بعدما تحقق حلم حياته بالثورة، مرددا: «لقد هرمنا، لقد هرمنا».. إذ ربما قضى ذلك الكهل حياته كلَّها لاهثا خلف يوتوبيا (utopie) قبل أن تتحقق. يطرح زمن موت الإيديولوجيا، دون شك، تحديات كبرى على الثورة، سواء كمفهوم أو كحدث ملموس. لم يعد الآن ضروريا أن تنطلق الثورات من خلفيات إيديولوجية إسمنتية صارمة، تنظر بالضرورة إلى الحزب الطليعي وإلى الطبقة التي يشكل وعيَها ويتكلم باسمها، أو طبيعة الدولة التي يخطط لبنائها انطلاقا من هذا الوعي الإيديولوجي بالذات. لقد رأينا كيف أن الشباب في تونس أو مصر يحملون شعارات مكتوبة بسيطة بل وساخرة أحيانا، ويرتدون «تي شورتات» تحمل صورة شي غيفارا، التي يرتديها الشباب عموما، سواء من عشاق موسيقى «الروك» أو «الميتال» أو غيرهما. معنى هذا أن الوسائط والحوامل الفكرية للثورة تغيرت، مع التغيرات التي طالت الحياة اليومية الاجتماعية للناس ونمط سلوكاتهم الفردية والجماعية وطبيعة ونوعية الأفكار التي يحملونها، بفضل تأثيرات العولمة والتنميط السلوكي الثقافي الكوني، إذ أصبح ممكنا الآن الحديث عن عولمة طرق الاحتجاج والتظاهر والثورة، تماما كما عولمة الموضة أو الأذواق والمعايير الجمالية والفكرية. إن عوامل «التعرية»، التي أفرزتها العولمة، لم تؤثر فقط في الحشود من الشباب «الفايسبوكيين» الذين خاضوا الثورة في تونس ومصر مثلا، بل أيضا في الأنظمة السياسية، التي طالها الجمود، بفعل التسلط والاستبداد، والتي ألفتْ نفسَها هشة نفسيا، سريعة العطب وغير قادرة على الاستمرار، للحفاظ على مصالحها.
دور الإعلام في إعادة تشكيل الوعي
لقد رأينا الدور الذي لعبته القنوات الفضائية ك«الجزيرة» مثلا، في إعادة تشكيل العالم العربي على المستوى الإعلامي والإخباري، لقد أعادت تشكيل العالم العربي كفضاء سياسي مشترَك، يلفي الفعَلة السياسيون الثوريون أنفسهم حاضرين داخله بشعارات وسلوكات ثورية موحَّدة. لم توحد هذا الفضاء الإيديولوجيات، كيفما كانت، وإنما وحدة الانتماء الجيو سياسي المشترَك. لم تعد الثورة الآن، أي من زمن الميتات المتعددة والبئيسة للإيديولوجيات، ممكنة انطلاقا من مرجعية إيديولوجية واحدية، لأن زمن المطالبة بالحريات الجماعية والفردية وحقوق الإنسان والديمقراطية، باعتبارها نمط تدبير عقلاني للصراع والتداول السياسيين، أنزل الثورة من سمائها الإيديولوجية المتعالية إلى أرض الواقع اليومي، بمطالبه واحتجاجاته المشروعة، ولم يعد ضروريا الوجود القبلي لمحترفين ثوريين إيديولوجيين، يقطفون «ثمار» الثورة، باعتبارهم مالكي شرعيتها الثورية ورأسمالها الرمزي. لم يعد المثقفون أيضا وسائط لنقل الوعي أو إنتاجه، أو الحديث باسم الجماعات والشعوب التي ينتمون إليها. لقد انتهى النموذج السارتري ولم تعد قضايا التمرد أو الثورة شأنا يهم المنظرين… بالقليل من الإمكانيات وبدون أسلحة ولا «زعماء»، استطاع شباب شبكات التواصل الاجتماعي جمع الآلاف في شوارع تونس وفي «ميدان التحرير» في مصر، لأن الأهم بالنسبة إلى الثورة في زمن الأنترنت هو التحكم في التواصل ونشر القضايا بسرعة وتعميمها على العدد الأكبر من مرتادي الشبكة العنكبوتية. لم تعد المقالات والكتابات النظرية في الجرائد والمجلات التي كانت سائدة في زمن السلطة المطلقة للإيديولوجيا هي الوسيط بين المثقفين الإيديولوجيين وعامة شرائح الشعب، بل شبكات التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك»، حيث يتم تعميم الأخبار والأفكار ب«سرعة الضوء». منذ اليوم، كما يرى المؤرخ الفرنسي هنري لورنس، يجب على كل نظام دكتاتوري أن يخشى «فايسبوك» أو «تويتر»…
الأفراد يكتشفون مواطنتهم ويتحملون مسؤوليتهم في التغيير
لم تعد هناك حقيقة إيديولوجية واحدة للثورة، بل حقائق متعددة أعادتها إلى أرض الواقع. لم تعد الثورة مستحيلة، نظرا إلى تعدد المرجعيات والوسائط التي تسندها، لكن الاستحالة هنا لم تعد تطال الحدث، دون إغفال المعاناة والمآسي التي تطال الشعوب والجماعات البشرية قبل تحققه. صارت الثورة، في زمن من موت الإيديولوجيا، مسألة متعلقة بالشعب، في مجموعه، تماما كما هي متعلقة بكل فرد على حدة، يستطيع أن يواجه السلطة التي يعتبرها مستبدة وظالمة في حقه الإنساني في المجازفة بحياته. ذاك ما جسده بشكل ملموس الشخص الأعزل الذي وقف أمام دبابات السلطة في ساحة «تيانانمين» وجسده الشاب التونسي البوعزيزي وشباب ساحة التحرير في مصر…
هناك لحظة حاسمة في الزمن الما بعد إيديولوجي للثورات، يكتشف فيها الفرد المواطن مواطنته المقموعة ويضطلع بمسؤوليته، كما لو أنه جماعة أو شعب آت. ذاك أيضا ما يسميه ألبير كامي في كتابه «الإنسان المتمرد»: «أنا أثور، إذن نحن نوجد»… إن الزمن الما بعد إيديولوجي للثورة هو زمن من الأفراد العاديين الذين يرمون ويريدون التحقق في صيرورتهم الثورية، إلى حد أنهم قد يختارون المجازفة بحياتهم على البقاء خاضعين وخانعين.
لم تعد هناك الآن حاجة إلى سؤال: «ما العمل؟» اللينيني، ولم يعد بالضرورة إستراتيجيا.
أما الثوريون المحترفون فقد انمحوا مع انمحاء الشروط التي كانت تسمح بوجودهم. لعل هذا ما يجسده، بشكل ما، السؤال الساذج والمتحمس ربما، الذي طرحه المفكر الألماني هوركهايمر: «لكنْ، هل هي مرغوب فيها إلى هذا الحد، تلك الثورة؟»…
لنترك هذا السؤال، برغم سذاجته الظاهرة، مفتوحا من جهة، أما من جهة أخرى، فإن القول بلا جدوى الثورة وإن الأحسن هو المراوحة في المكان يظل قولا لا أخلاقيا، لأنه يتعلق بالحياة المباشرة للمقموعين والمقصيين. الثورة، إذن، كمفهوم وكحدث، أمر موجود وسيوجد دوما في مركبة التاريخ، وعبرها تنجس الذاتيات الخاصة بالأفراد، لا ذاتية الناس المعروفين أو المنتمين إلى النخبة، سياسة كانت أم ثقافية، بل ذاتيات الناس العاديين، الذين يرفضون النظام الذي يقمعهم. يكفي وجود هؤلاء في عريه وفداحته ليكونوا ثوريين بلا حزب ولا إيديولوجيا ثورية.
.

samedi 21 mai 2011

الرقص على أقفاف المختصر

(هوامش على المشاركة الموريتانية في اليوم الثقافي لكونفدرالية الطلبة الأفارقة في فاس) 
  
بقلم: الشيخ أحمد ولد البان

 لست أدري من أين أبدأ بوحي، كل ما حوالي "قبر مالك" عند متمم بن نويرة:
فقلت له إن الشجا يبعث الشجا ** فدعني فهذا كله قبر مالك

لا مناص من تناثر الكلمات/العبرات... قد يصفني البعض بالعاطفية وربما لمزني آخرون بالتطرف وضيق الأفق وسأرضي كثيرين ولكن عزائي أنني إن لم أرض كل طلبة فاس سأكون مرضيا عند العلامة والأديب سيد عبد الله بن رازكة العلوي الشنقيطي وعند العلامة ابن زكري الفاسي، كما سأكون ذا حظوة خاصة عند العلامة محمد عثمان بن اغشممت المجلسي وأمثالهم ممن أقامت محاوراتهم الفقهية نهضة علمية بفاس أيام كانت الحاضرتان ترمزان للعلم والأدب.

تلك أمة قد خلت لها ما نقشت في مخيال التاريخ من أثر جميل وصيت حسن.."وجاءت بعد ذاك صروف دهر"و ثقافة عصر رديئ ..فانتفض الأحفاد على خدر من الفكر وفترة من عمارة الروح ليطمسوا قسمات ذلك التاريخ، موقعين على خطى الغابرين بسنفونية لا تمت برحم موصولة لتهويمات أبناء الكحلاء بطرة ابن زين، ولا لهينمات سامري القرويين بأقفاف المختصر...هي إذا تغريدة خارج متتالية التاريخ الأغر..وقفة اضطرارية لتغيير "الجانبة" بلغة أزوان..رغم تيدنيت ولد أباش ..لحظة عابرة ضاعت فيها أصداء القوافل المحملة بعبق التاريخ..ليكشف المشهد عن القادمين من أرض الرجال ..لم يبتدروا سواري القرويين هذه المرة ..لكنهم وقعوا على خطى الغابرين برقصات"كيرى"بالكاف المعقودة و"جكوار" و "الجر" ..و افتروا على المجتمع الشنقيطي حين برزت من وراء الخشبة طالبات يمسكن بأيدي طلبة..عرض للأزياء المحتشمة طبعا..مشاهد شفعت باستعادة أسوء لحظات التاريخ الموريتاني ...أغاني حملة العقيد معاوية..سجلت القضية ضد مجهول و أرخيت الستارة...العيش خارج التاريخ برتبة الشرف..هذه ثقافة موريتانيا..كما رآها الآخرون...

هل الثقافة الموريتانية خزف تقليدي ورقص وأكل؟ صحيح أن كل ذلك جزء من الثقافة لكنه ليس "الجزء المتم الفائدة"، أليست الثقافة الموريتانية أكبر وأعظم وأجل من أن تختزل في ذلك..إن الثقافة الموريتانية فقه و أدب وتاريخ حافل بجلى الأمور..ذلك ما تعرفه كل الربوع وتعرفه أكثر مدينة فاس أيام أبرق سيد عبد الله بن رازكة ملغزا في قوله تعالى (فاستخرجها من وعاء أخيه):

أسائلكم ما سر إظهار ربنا ** تبارك مجدا"من وعاء أخيه"
فلم تأت عنه منه أو من وعائه ** لأمر دقيق جل ثم يخيه
وأنت ابن زكري نبيه محقق ** تفردت في الدنيا بغير شبيه
لم يرد الجواب ربما حبسته المواصلات فابن زكري لا يعجزه الجواب، ورد الجواب على لسان العلامة محمد بن سعيد اليدالي:


فلو قال فرضا ربنا"من وعائه" ** فذلــــــكم بعد التفكر فيه
يؤدي إلى عود الضمير ليوسف ** فيفسد معناه لمختبريه
لأن الضمير في الصناعة عائد ** لأقرب مذكور هناك يليه
وإن قال منه اختل أيضا لأنه ** يؤدي لعود مضمر لأخيه
فتنزع منه الصاع لا من وعائه ** وتأنف من ذا نفس كل نزيه
لما في انتزاع من أذى و مهانة ** ولم يرد الرحمن ذا بنبيه

وفي تواصل علمي ثقافي آخر يلغز أحمد بن محمد بن محمد سالم :

أيا أهل فاس الغر لغز سياقه ** بنص خلـــــيل جا وفيه مساقه
أسائل ما عقد صحيح صداقه ** قد ابــــــــــطله قبل البناء فراقه
وآخر فيه أكمل المهر كله ** على الزوج من قبل البناء طلاقه

فأجابه أحد علماء فاس:
فمن وهبت قبل البناء صداقها ** لزوج وذاك الزوج حم فراقه
فليس لها نصف بتطليق زوجها ** فما شطر المأخوذ منه طلاقه
وواهبة من مالها لحلـــــــــيلها ** قبيل البنا ما سيق منها صداقه
يعيد لها المــــأخوذ منه جميعه ** جواب بحــــــمد الله تم اتساقه

تلك كانت ثقافة الأجداد.. وكان ذلك عبقهم في السير والتاريخ..وكنا نحن الوارثين..نحن المهاجرون لقنية العلم ..ولكننا أحرقنا الإرث المقدس وقلنا بملىء أكمامنا المنتفضة على أنغام لبيانو..سلام عليك يا حاضرة العلم ومثابة العلماء...قد هدنا إليك من منارة شنقيط..لكن بميثاق آخر...من عدوتها الدنيا..من بابها المكسور..أردنا أن نعرفك بوجهنا القزحي..ليس اللوح والقلم والشعركل ما في مزادة الرمال السمر..تلك عصور سلمنا الله من العيش فيها فلنسلم أنفسنا من تبعاتها الثقيلة..لم تعد قيمها منساقة مع عصر السرعة وثورة المعلومات... عصر "الفكر الحر" و "الفتوة المنطلقة"...لا..لا ياقيود التاريخ.. سنكسر كل القيود إلا قيد الضرورة..نحن أبناء موريتانيا وهم أبناء شنقيط، فلنسحب أذيالنا على تاريخهم كما سحبت ريح الشمال أذيالها على رمام المدينة الأثرية.. لحظة نسي فيها إنسان الحاضر ماضيه فنسي بذلك نفسه؛ حين أراد أن يساير افريقية في ثقافتها مع فارق التاريخ... رحم الله زمانا كانت فيه المرأة الموريتانية مضرب المثل في الحياء"أشد حياء من العذراء في خدرها"..أم أن مفهوم المخالفة وارد..فهي خارج وطنها أقل حياء؟

أنا مذ عقلت ما حولي لم أر فتاة موريتانية تمثل دورا مسرحيا يقتضي أن تلامس فتى على خشبة العرض ..تابعت الكثير من المسرحيات والعروض ..إنها الطبيعة المحافظة فطريا للمجتمع الموريتاني..هناك مساحة مشتركة بين كل الأطياف الفكرية..احترام أعراف المجتمع وتقاليده..وليس ذلك منها بإطلاق..أم أن للغربة أحكام فرعية؟

أنا لست متزمتا لحد التحجر لكنني لست متميعا لحد التلاشي... أريد أن تبقى موريتانيا بسمعتها والطلبة الموريتانيون بصيتهم الحسن..نحن لسنا من إفريقية إن سلكت ذات الشمال ولا من غزية إن غوت..نحن سفراء لوطن عرف بالعلم والأخلاق... يجب أن نعرض للآخر صورتنا الحسنة وأن نريه منا ما يشرف... و أن نستتر بستر الله 
.
17.05.2009