(هوامش على المشاركة الموريتانية في اليوم الثقافي لكونفدرالية الطلبة الأفارقة في فاس)
بقلم: الشيخ أحمد ولد البان
بقلم: الشيخ أحمد ولد البان
لست أدري من أين أبدأ بوحي، كل ما حوالي "قبر مالك" عند متمم بن نويرة:
فقلت له إن الشجا يبعث الشجا ** فدعني فهذا كله قبر مالك
لا مناص من تناثر الكلمات/العبرات... قد يصفني البعض بالعاطفية وربما لمزني آخرون بالتطرف وضيق الأفق وسأرضي كثيرين ولكن عزائي أنني إن لم أرض كل طلبة فاس سأكون مرضيا عند العلامة والأديب سيد عبد الله بن رازكة العلوي الشنقيطي وعند العلامة ابن زكري الفاسي، كما سأكون ذا حظوة خاصة عند العلامة محمد عثمان بن اغشممت المجلسي وأمثالهم ممن أقامت محاوراتهم الفقهية نهضة علمية بفاس أيام كانت الحاضرتان ترمزان للعلم والأدب.
تلك أمة قد خلت لها ما نقشت في مخيال التاريخ من أثر جميل وصيت حسن.."وجاءت بعد ذاك صروف دهر"و ثقافة عصر رديئ ..فانتفض الأحفاد على خدر من الفكر وفترة من عمارة الروح ليطمسوا قسمات ذلك التاريخ، موقعين على خطى الغابرين بسنفونية لا تمت برحم موصولة لتهويمات أبناء الكحلاء بطرة ابن زين، ولا لهينمات سامري القرويين بأقفاف المختصر...هي إذا تغريدة خارج متتالية التاريخ الأغر..وقفة اضطرارية لتغيير "الجانبة" بلغة أزوان..رغم تيدنيت ولد أباش ..لحظة عابرة ضاعت فيها أصداء القوافل المحملة بعبق التاريخ..ليكشف المشهد عن القادمين من أرض الرجال ..لم يبتدروا سواري القرويين هذه المرة ..لكنهم وقعوا على خطى الغابرين برقصات"كيرى"بالكاف المعقودة و"جكوار" و "الجر" ..و افتروا على المجتمع الشنقيطي حين برزت من وراء الخشبة طالبات يمسكن بأيدي طلبة..عرض للأزياء المحتشمة طبعا..مشاهد شفعت باستعادة أسوء لحظات التاريخ الموريتاني ...أغاني حملة العقيد معاوية..سجلت القضية ضد مجهول و أرخيت الستارة...العيش خارج التاريخ برتبة الشرف..هذه ثقافة موريتانيا..كما رآها الآخرون...
هل الثقافة الموريتانية خزف تقليدي ورقص وأكل؟ صحيح أن كل ذلك جزء من الثقافة لكنه ليس "الجزء المتم الفائدة"، أليست الثقافة الموريتانية أكبر وأعظم وأجل من أن تختزل في ذلك..إن الثقافة الموريتانية فقه و أدب وتاريخ حافل بجلى الأمور..ذلك ما تعرفه كل الربوع وتعرفه أكثر مدينة فاس أيام أبرق سيد عبد الله بن رازكة ملغزا في قوله تعالى (فاستخرجها من وعاء أخيه):
أسائلكم ما سر إظهار ربنا ** تبارك مجدا"من وعاء أخيه"
فلم تأت عنه منه أو من وعائه ** لأمر دقيق جل ثم يخيه
وأنت ابن زكري نبيه محقق ** تفردت في الدنيا بغير شبيه
لم يرد الجواب ربما حبسته المواصلات فابن زكري لا يعجزه الجواب، ورد الجواب على لسان العلامة محمد بن سعيد اليدالي:
فلو قال فرضا ربنا"من وعائه" ** فذلــــــكم بعد التفكر فيه
يؤدي إلى عود الضمير ليوسف ** فيفسد معناه لمختبريه
لأن الضمير في الصناعة عائد ** لأقرب مذكور هناك يليه
وإن قال منه اختل أيضا لأنه ** يؤدي لعود مضمر لأخيه
فتنزع منه الصاع لا من وعائه ** وتأنف من ذا نفس كل نزيه
لما في انتزاع من أذى و مهانة ** ولم يرد الرحمن ذا بنبيه
وفي تواصل علمي ثقافي آخر يلغز أحمد بن محمد بن محمد سالم :
أيا أهل فاس الغر لغز سياقه ** بنص خلـــــيل جا وفيه مساقه
أسائل ما عقد صحيح صداقه ** قد ابــــــــــطله قبل البناء فراقه
وآخر فيه أكمل المهر كله ** على الزوج من قبل البناء طلاقه
فأجابه أحد علماء فاس:
فمن وهبت قبل البناء صداقها ** لزوج وذاك الزوج حم فراقه
فليس لها نصف بتطليق زوجها ** فما شطر المأخوذ منه طلاقه
وواهبة من مالها لحلـــــــــيلها ** قبيل البنا ما سيق منها صداقه
يعيد لها المــــأخوذ منه جميعه ** جواب بحــــــمد الله تم اتساقه
تلك كانت ثقافة الأجداد.. وكان ذلك عبقهم في السير والتاريخ..وكنا نحن الوارثين..نحن المهاجرون لقنية العلم ..ولكننا أحرقنا الإرث المقدس وقلنا بملىء أكمامنا المنتفضة على أنغام لبيانو..سلام عليك يا حاضرة العلم ومثابة العلماء...قد هدنا إليك من منارة شنقيط..لكن بميثاق آخر...من عدوتها الدنيا..من بابها المكسور..أردنا أن نعرفك بوجهنا القزحي..ليس اللوح والقلم والشعركل ما في مزادة الرمال السمر..تلك عصور سلمنا الله من العيش فيها فلنسلم أنفسنا من تبعاتها الثقيلة..لم تعد قيمها منساقة مع عصر السرعة وثورة المعلومات... عصر "الفكر الحر" و "الفتوة المنطلقة"...لا..لا ياقيود التاريخ.. سنكسر كل القيود إلا قيد الضرورة..نحن أبناء موريتانيا وهم أبناء شنقيط، فلنسحب أذيالنا على تاريخهم كما سحبت ريح الشمال أذيالها على رمام المدينة الأثرية.. لحظة نسي فيها إنسان الحاضر ماضيه فنسي بذلك نفسه؛ حين أراد أن يساير افريقية في ثقافتها مع فارق التاريخ... رحم الله زمانا كانت فيه المرأة الموريتانية مضرب المثل في الحياء"أشد حياء من العذراء في خدرها"..أم أن مفهوم المخالفة وارد..فهي خارج وطنها أقل حياء؟
أنا مذ عقلت ما حولي لم أر فتاة موريتانية تمثل دورا مسرحيا يقتضي أن تلامس فتى على خشبة العرض ..تابعت الكثير من المسرحيات والعروض ..إنها الطبيعة المحافظة فطريا للمجتمع الموريتاني..هناك مساحة مشتركة بين كل الأطياف الفكرية..احترام أعراف المجتمع وتقاليده..وليس ذلك منها بإطلاق..أم أن للغربة أحكام فرعية؟
أنا لست متزمتا لحد التحجر لكنني لست متميعا لحد التلاشي... أريد أن تبقى موريتانيا بسمعتها والطلبة الموريتانيون بصيتهم الحسن..نحن لسنا من إفريقية إن سلكت ذات الشمال ولا من غزية إن غوت..نحن سفراء لوطن عرف بالعلم والأخلاق... يجب أن نعرض للآخر صورتنا الحسنة وأن نريه منا ما يشرف... و أن نستتر بستر الله
.
17.05.2009
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire