mardi 17 mai 2011

فلسطين ... ذكرى النكبة في زمن الثورات !


تستحضر الذاكرة العربية والفلسطينية بشكل خاص كل عام عند بزوغ فجر الخامس عشر من مايو أهوال المجازر العظيمة أثناء أكبر عملية تطهير عرقي في التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية تمت ضد شعب أعزل لصالح جماعات الهاجانا الصهيونة بتواطئ وتآمر من القوة البريطانية وعلى مرآى ومسمع من شعوب العالم أجمع. دأب الفلسطينيون على الاحتفال إلى جانب بعض من إخوتهم العرب بذكرى النكبة منذ عام 1948 إلى يومنا هذا وشهد الجو العام للإحتفالات مدا وجزرا حسب درجات الهدوء والغليان في الشارع العربي والذي لم يساوم يوما على أن القضية الفلسطينية قضية إسلامية عربية وجزء لا يتجزء من سوال الهوية والثقافة والدين ...   وقد جاءت الذكرى الثالثة والستين هذا العام في ظل الربيع العربي ... فهل سيسترجع الشعب العربي ماضاع من فلسطين؟ وتهب رياح التغيير على الشرق اللأوسط  لتحقق أحلام الملايين؟
لقد ضاعت فلسطين عام 1897 عندما اختتم الصهاينة أول مؤتمر لهم في بال بسويسرا لبحث السبل الكفيلة بإقامة وطن قومي لهم على "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" حسب زعمهم، حيث أعلن منظر الحركة الصهيونية تيودور هرتزل أن الدولة اليهودية ستعلن بعد خمسين عاما. وقد بذلت بريطانيا الغالي والنفيس حتى لا يتأخر الإعلان عن موعده وشفعت ذالك بوعد وزير خارجيتها آرثير بلفورد لليهود عام 1917 المعروف بوعد "من لايملك لمن لايستحق". ومنعت الفلسطينيين من التمتع بالاستقلال على غرار أغلب مستعمراتها في تلك الفترة حتي تسلم الدولة الفلسطينية بما فيها ومن فيها للعصابات الصهيونية.    وكان الشعب الفلسطيني كالحمل الذي ينتظر الذبح مسلوب الإرادة وحق تقرير المصير يراقب عن كثب الوفود اليهودية تحط الرحال في أرضه وعصابات الأرغون وشتيرن والهاجانا تتدرب بهمارة على الإغتيالات والترويع والنهب والسلب تحت غطاء الانتداب البريطاني.
لقد ضاعت فلسطين يوم عشية الخامس عشر من مايو/آيار 1948 عندما تلا الصهيوني دفيد بن غوريون  وثيقة قيام الدولة الاسرائيلية الصهيونية بعد ثمان ساعات من انتهاء الانتداب البريطاني. وقد سلمت بريطانيا بموجبها دولة فلسطين القائمة بمنشآتها ومرافقها بمن فيها ومافيها إلى العصابات الصهيونية، إذ تفيد بعض الاحصائيات أن من بين ماسلمه الجيش البريطاني للعصابات الصهيونية شبكة من السكك الحديدية يبلغ طولها 700 كم و41 محطة قطار وشبكة من 31 مطارا و6000 كم من الطرق المعبدة 37 معسكرا للجيش البريطاني. وقد كان إعلان قيام الدولة الصهيونية إعلانا أيضا لبداية أكبر عملية تطهير للعرق العربي في التاريخ حيث شردت وأحرقت أسر بكاملها كما حدث مع أهالي حيفا ودمرت مدن عن بكرة ابيها وحسب نفس الاحصائيات السابقة فقد دمرت 220 قرية تدميرا شاملا و134 قرية تدميرا جزئيا. وعاث اليهود في أرض أولى القبلتين وثالث الحرمين فسادا ونهبوا وسلبوا وقتلوا وأسروا مالا يحصيه ديوان ووصلت بهم غطرستهم إلى حد أن يأمروا فلسطنيين عزل بحفر قبور تحت تهديد السلاح والاضطجاع فيها ثم يأمروا فلسطينيين آخرين بدفنهم أحياء على أنغام ضحكات أفراد عصابات الهاجانا ... وماخفي أعظم. وصلت أعداد اللاجئين في دول الطوق أساسا (لبنان والاردن وسوريا) إلى 6 ملايين لاجئ وتدخلت الأمم المتحدة على استحياء باستصدار القرار 194 الذي ينص على حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين وقد بقي حبرا على ورق حتي الآن بل وحيكت المؤامرات للألغائه...
لقد ضاعت فلسطين يوم تخاذل العرب عن نصرتها على مر تاريخهم رغم اختلافهم وتعدد حكوماتهم، وحين صارت القضية القلسطينية صهوة يمتطيها من يريد الوصول إلى الحكم لأستعطاف الجماهير العربية والشعوب الإسلامية أو لترويج ايديولوجية سياسية معينة. زعم كل القوميين من ناصريين وبعثيين أن القضية هي همه الأول وأن تحرير الشعب الفلسطيني هو مادفع به إلى خوض السياسة أصلا وأن فلسطين جزء لا يتجزء من الجسم العربي الواحد الذي يتداعى بالسهر والحمى إذا اشتكى منه عضو وأغتر العرب عامة والفلسطيون خاصة بتلك الوعود ردحا من الزمن قبل أن يظهر زيفها بعد حادثة بعث جيش مصري إلى لتحرير الأرض المحتلة بأسلحة فاسدة وبيع هضبة الجولان بموافقة سورية ومباركة مصرية حسب الشهادات الواردة من المشرق. واشتهرت الجامعة العربية ببيانات الشجب والتنديد العقيمة عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية في حين اشتهرت الولايات المتحدة باشهار الفيتو في وجه كل من تسول له نفسه معاقبة اسرائيل. وتوجت الجهود العربية لتحرير فلسطين بهزيمة 1967 و استيلاء إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزّة وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان وإعلان حكومة إسرائيل ضم القدس الشرقية والقرى المجاورة لها إلى إسرائيل عند انتهاء الحرب. ثم  جاء توقيع أول معاهدة لإسرائيل مع دولة عربية تم بموجبها انسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء وجعل سيناء منطقة منزوعة السلاح مقابل اعتراف مصر الكامل بإسرائيل وفتح سفارات في كلا البلدين وإقامة علاقات تجارية وسياحية كاملة بين البلدين...
لقد ضاعت فلسطين عام 2004 عندما اغتيل ابنها البار ياسر عرفات مسموما على يد عملاء الصهاينة في الضفة الغربية وقد أغاظهم تمسكه بحق العودة للاجئيين وحق تقرير المصير وعدم التنازل عن القدس كعاصمة لدولة فلسطين فعمدوا إلى تغييبه عن المشهد وأختيار من يخلفه شرط ان لا يقف حجر عثرة في تقدم مخططاتهم، وقد وفقوا في الاختيار وعندما أحست حركة حماس بالمكيدة وكانت الطريقة الوحيدة لتغييرها هي المشاركة فيها تقدمو بملف ترشح حكومتهم وأختارهم الشعب لقيادته ولكن الأسياد لم يرتضوهم فهمشوهم وعزلوهم في غزة وسموهم جماعة إرهابية.  وعلى مدى ثلاث سنوات ونصف لم تتوقف عمليات الاستيطان ولا تقدم الحفريات تحت جدران المسجد الاقصى وأجتازت المفاوضات الجسر الذي وضعه ياسر عرفات كحد أقصى للتنازل من الجاتب الفلسطيني...
يتبين من خلال هذا العرض التاريخي السريع لأهم محطات القضية الفلسطينية أن تحرير فلسطين لن يكون على يد هذه الطبقة من الحكام والتي مازال بعض من رواسبها يقبع في القصور الرئاسية في دول العربية. ولن يكون على يد من جاء الحكم على ظهر دبابة أو وراء طلقات كلاشنيكوف وإنما على يد من أوصله الشعب إلى الحكم عن رضى وتقاطع في المصالح والتطلعات والثورة هي الوحيدة القادرة على توفير هذا الصنف من الحكام. من المعروف عند المتابع لتطورات القضية الفلسطينية أن الشعوب كانت دائما إلى جانب حق الشعب الفلسطيني في التحرر وتقرير المصير وأن الحكام كانو دائما عملاء للغرب يعطون الضوء الاخضر باجتماعاتهم المتكررة وموافقاتهم الضمنية غالبا والتصريحية أحيانا للعدو الصهيوني في فعل ما يريد فكان لابد أن يأتي ذالك اليوم الذي تشفى فيه هذه العلة من الجسد العربي وتتحد فيه مواقف الحكام والشعوب كما اتحدت لغاتهم ودياناتهم وانسابهم ... وقد كنا على يقين أن الثورة هي من سيأتي بذالك اليوم ولكنا لم نكن نعلم من أين ستبدأ فإذا بها تبدأ من تونس ومصر حيث أتخدت الجامعة مقرا لها وترأسها من يحمل كل من الجنسيتين وكأن القدر أراد أن يبدأ بالإنتقام من الجامعة العربية  لما يعلم من خذلانها للقضية الفلسطينية.    
وقد تجسدت إجابيات الثورة العربية عامة والمصرية خاصة منذ الوهلة الاولى على ارض الواقع وترجمت إلى مواقف وتصريحات "هرمت الشعوب في انتظارها"، فما إن سقط نظام مبارك الخانق حتى تنفس الفلسطينيون الصعداء وانكشف عنهم الغطاء الذي كان على أعينهم فظهر لهم أن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم فسارعو إلى إنهاء الشرخ ورأب الصدع في البيت الفلسطيني أولا وهي خطوة لاتقدر بثمن إذ كانت تخدم إسرائيل أكثر مما يخدمها حلفها مع الولايات المتحدة. وفتح معبر رفح وبدأت مصر تستعيد دورها القومي وتظهر على المشهد العربي بعد أن غيبت عنه أكثر من ثلاثين سنة وكأنها تريد أن تتوب من كبيرة توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل.
وظهر تشابة كبير في طريقة خروج الفلسطينيين لإحياء الذكرى الثالثة والستيين للنكبة وخروج الشعوب العربية لأسقاط حكامهم واتحدت الشعارات عندما ردد اللاجئون الفلسطنيون شعار " الشعب يريد تحرير فلسطين". لاشك أن الفلسطينيين كانو سباقين إلى الثورات بشتى أنواعها ودفعوا في سبيل ذالك ثمنا غاليا و لكن تلك اللمسة الشعبية التونسية المصرية البوعزيزية هي ماجعل أحد مشاهير كتاب الصهاينة يعنون مقاله عن ذكرى النكبة ب "الثورات العربية تطرق أبواب إسرائيل" وهي ماجعلت بنيامين نتنياهو يتلفظ بعبارات لم تكن في قاموسه من قبل عند تعليقه على المظاهرات التي خرجت متحدة البوصلة من سوريا ولبنان والاردن متجهة إلى إسرائيل. وكما تشابهت مواقف الشعوب حين اتحدت قلوبها تشابهت أيضا ردود فعل الجيوش عندما اتحدت مقررات تكوينها العسكري حيث واجه الجيش الصيهوني قلوب الفلسطينيين العارية بالرصاص الحي ـ كعادته ـ فأردى أحد عشر شهيدا في بلدة مارون الراس الحدودية اللبنانية وشهيدان في هضبة الجولان السورية  ...     
وهكذا قد برهن الربيع العربي أن الثورة أنجزت رغم قصر عمرها الذي لايزيد على خمسة أشهر مالم تنجزه الامة العربية بحكامها وجيوشها على مدى ثلاث وستين سنة وأن وضع القضية قبلها قطعا لن يكون هو نفسه بعدها وأن الحق ينتزع ولا يعطى... وأنه :
لايسلم الشرف الرفيع من الأذى       حتى يراق على جوانبه الدم.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire