"حظيت" يوم الأمس بأن كنت من بين من حضر فعاليات الحفل الثقافي الذي تنظمه كونفدرالية الطلبة والمتدربين الأفارقة بالمغرب سنويا للتعريف بالثقافة الإفريقية. الكونفدرالية والمعروفة أختصارا ب (سيزام) كانت على موعد يومها مع حفلها السنوي العاشر في قاعة سينما آمبير في فاس حيث حضر ممثلون من الطلبة من مختلف الجنسيات لتمثيل مايزيد على ثلاثين دولة إفريقية من بينها موريتانيا.
ولا أخفيكم سرا أني رغبت في حضور تلك الفعاليات للتعرف عن كثب على نقاط تقاطع الثقافات الافريقية وقد حرمت تلك "الفرصة" العام الماضي بسبب خلافات بين أعضاء المكتب التنفيدي للكنفدرالية حالت دون تنظيم الحفل، ولأنه كذالك يخدم تخصصي الأكادمي "تقاطع الدراسات الثقافية والأدبية،" ويعد زيادة على ذالك من الفرص النادرة التي يلتقي فيها الطلبة الموريتانيون من مختلف أحياء مدينة فاس فيتبادلون التحايا... ولكنى لا أخفيكم أيضا أني غيرت رأيي بعد الخروج من الحفل قبل اكتماله وأنا من كان يدافع عن الأفارقة في حوار جمعني وبعض الطلبة عشية تنظيم التظاهرة.
خرجت من الحفل وقد إلتبست علي المفاهيم والمصطلحات فمفهوم الثقافة مثلا لم يعد يقصد به ـ على اختلاف تعريفاته ـ طريقة فهم الحياة، وكيفية تنظيمها، وأساليب العيش فيها، والتي تميز مجتمعاً معيناً عن غيره من المجتمعات، وتعطيه وجهه الأصيل، ومن ثم شخصيته، بل الثقافة أصبحت باختصار هي الرقص الإباحي والخلاعة و العري. فبدل الاستمتاع بعروض مشوقة تجسد ثراء الثقافة الإفريقية أو التعرف على المميزات الخاصة بكل ثقافة من ثقافات دول القارة السمراء والمماليك السودانية التي تأسست على مر التاريخ مخلفة وراءها إرثا إنسانيا أحوج مايكون إلى نفض الغبار عنه وإنقاذه من غياهب النسيان... يجد الحاضر نفسه أمام مباراة في الرقص الإباحي تخدش الأعراف الانسانية قبل المبادئ والتعاليم الدينية في تجسيد صارخ للتبعية العمياء الغرب وحقيقة وجود المستعمر بيننا حتى بعد نصف قرن من استقلال أغلبيه البلدان الافريقية..
وقد ساورتني شكوك أن هذا المشروع ما أمم إلا لذالك، فسيزام هي اختصار للترجمة الفرنسية لاسم كونفدرالية الطلبة والمتدربين الأفارقة في المغرب وقد بدأت فكرة إنشاءها منذ ثمانينات القرن الماضي ـ كما وشى لي ملحق مكتبها الثقافي ـ واعتُرف بها رسميا في المغرب حوالي 2001 ومنذ ذالك التاريخ وهي تنطم سنويا هذا الحفل ذائع الصيت ودوري كرة قدم بين مختلف الفرق الافريقية، وقد تتعرقل هذه الأنشطة لسبب داخلي كما حدث العام الماضي. يتولى رئاسة الكونفدرالية عرفا الدولة الأكثر جالية في المدينة ولذالك تترأسها جزر القمر هذا العام في فاس.
ورغم أن الحفل ـ فيما يبدو للناس ـ حفل ثقافي للتعريف بمختلف الثقافات الإفريقية وليلتقي فيه الطلبة الأفارقة من مختلف الجنسيات لتدارس أمورهم الرئيسية كمسألة أوراق الإقامة مثلا، إلا أنه في الحقيقة كان حفلا راقصا ماجنا لايمثل افريقيا ولايمت لثقافتها بصلة، فما عرض على المنصة لم يكن افريقيا منه ـ خلا مداخلة موريتانيا ـ إلا الشخوص التي قامت بتمثيل أدواره أواسماء الدول التي مثلوها أو أعلامها. ولم تزد مداخلات الدول الإفريقية رغم كثرتها واختلاف اسمائها على الرقص وعرض الأزياء وكأن المشرفين على الحفل ارادو ان يفندو حقيقة ثراء الثقافة الافريقية والتعددية التي وسمتها على مر العصور والأدهى من ذالك والأمر أن اعضاء الفرق الراقصة والعارضة للأزياء هم خيرة ونخبة بلدانهم.
أما فيما يتعلق بالمداخلة التي مثلت موريتانيا ـ مع تحفظنا على جزءها الأخير ـ فقد كانت عموما على المستوى وقد بذل القائمون عليها جهدهم في تمثيل بلدهم وخدمة قارتهم. إذ كانت عبارة عن اسكتش مسرحي حيث أحد البيض يعاني من نقص في كمية الدم في جسمه فيتبرع له أحد الزنوج بروح أخوية متجاوزة كل الاعتبارات، ولكن المريض يرفض فتتدخل عندها شخصية الوحدة الافريقية لتتسامى بفكريهما لتجاوز الإعتبارات الضيقة والتفكير في النقاط التي تجمعهما كالدين والهوية والثقافة .... ليتصافح عندها البيضاني والزنجي مجسدين الوحدة الإفريقية. كانت المشاركة الموريتانية هي الوحيدة التي سمعنا فيها عبارات من قبيل إفريقيا و الوحدة والأخوة والدين والتسامح ...ولكن "لمرابط وإكيو ماهم أصحاب" كما يقال.
ولا تتوقعوا مني أن ألخص لكم فحوى باقي المشاركات إذ لم تزد ـ كلها بلا استثناء ـ على الرقص الغربي شكلا ومضمونا. وقد يتساءل الشخص وله الحق في ذالك متى كان الراب والجاز والهيب هوب مظاهرا للثقافة الإفريقية ومتى كان عرض الأزياء معلما على ثقافة إنسانية أيا كانت. ووالله لقد تذكرت الآية "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير " فهذا والله هو سبب تخلف قارة إفريقيا وبقاءها في ذيل الأمم رغم قدمها... إن قارة لاتحسن نخبتهما إلا الرقص لقمينة ان يكبر عليها أربعا.
أما وقد إتضح أن حفل سيزام مجرد شعارات وفعاليات مسمات بغير اسماءها فإنا نطالب اتحادات الطلبة والمتدربين بالمغرب عامة وبفاس خاصة مقاطعته حرصا على سمعة شنقيط التي اشتهرت بها في الآفاق. ماذا يستفيد ـ بربكم ـ الوطن من المشاركة في مهرجان الرقص فيه هو الثقافة وعرض الأجسام فيه هو عرض الأزياء والغرب فيه أكثر حضورا من الشرق ... تلكم هي "سيزام" وحفلها الثقافي وتجسيدهما للتبعية العمياء للغرب.
Ce commentaire a été supprimé par l'auteur.
RépondreSupprimer