مات البوعزيزي ـ رحمه الله ـ وأحيا بموته لا أقول فقط شعب تونس بل أحيى الأمة العربية الإسلامية جمعاء. ما كان البوعزيزي وهو الشاب الريفي الذي ترعر وهو ينهل من معاني الشهامة الريفية الصرفة ليرضى بصفعة على وجهه من ند له أحرى من امرأة. هو الإباء إذن وروح النخوة التي لا ترضى لمن يتحلى بها أن يطأطئ رأسه هزيمة واستسلاما لأي قوة أيا كانت طبيعتها.
مات البوعزيزي ـ رحمه الله ـ وربما لم يتخيل ما ستصل إليه الثورة التي كان أول شرارة انطلاقتها . بأي حق يا أحرار العالم يمنع شاب في مقتبل العمر من تدبير لقمة عيشه بالطريقة التي يريد بعد أن سدت في وجهه جميع الأبواب التي كان ينبغي أن يلجها بشهادته الجامعية؟ إنها الغطرسة والظلم وهي ذنوب قد يمهل الله أصحابها ولكن هيهات هيهات أن يهملهم.
مات البوعزيزي وقد مات قبله ترب له في المنستير قبل عام ونيف بعد أن حرم أوراقا ترخص له فتح حانوت لبيع الفواكه والعصائر ليقتات منها، فما كان منه إلا أن أحرق نفسه أمام مبنى البلدية ولكن الحكومة تكتمت على الأمر ومنعت وسائل الإعلام من نقله فاكتفي أهله وشيعته بالخروج في جنازته وسط حضور مكثف لشرطة النظام.
مات البوعزيزي ـ رحمه الله ـ وخلف رسالة وراءه تكتب بماء الذهب تمثلت في هروب جبار طاغية لا يمثل إلا حلقة واحدة من سلسلة من أكثر من عشرين حلقة، هي رسالة إذن ينبغي أن تقرأ وتعاد قراءتها لا بل وتترجم إلى لغات العالم وتدرج في قواميس الكون، هي رسالة صريحة واضحة إلي دكتاتوري العالم عامة والعرب خاصة أنه ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان بل بالحرية. هي رسالة أن جبروت وطغيان الحكام ومضاعفة عدد جنودهم لا يغني عنهم شيئا إذا أراد الله سبحانه وتعالى أن ينتقم منهم للمستضعفين في الأرض. أليس للبوعزيزي وغيره من المستضعفين في الأرض رب مجيب سميع كريم يلجؤون إليه حين ينام بن علي وأمثاله فلا يخيب آمالهم بل ينتقم لهم ممن ظلمهم متى شاء وكيف شاء .
هي رسالة أن العدل أساس الملك وأن الظلم والقهر منهدم بنيانه مقوض عمرانه وأن الله يمهل ولا يهمل .
إن ذل بن علي وهروبه وصغاره ليس نتيجة لأشهر أو أقل من المظاهرات والتنديدات، بل هي استجابة لتراكمات من الأدعية والابتهالات لرب الأرض والسموات آناء الليل وأطراف النهار من عباد له لا يعلمهم إلا هو أذيقوا أنواع الذل والهوان لمجرد التفكير في تطبيق أي شعيرة من شعائر دينهم الإسلامي (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
إن لسهام الليل أمد وللأمد انتهاؤه، وماهذه الثورة إلا استجابة لدعوات أمثال ذلك الشاب التونسي الذي حفظ نصف القرآن ويريد حفظ نصفه الآخر في جامع أنصار الله في توجنين والذي كان يحدثني بعد صلاة ظهر يوم من أيام رمضان منذ عامين أو ثلاثة أنه سجن في تونس ثلاث مرات ولم يبلغ عمره بعد الواحدة والعشرين بسبب شعرات بدت تظهر في ذقنه ليس إلا، كان الشاب يقطع كلامه بدعوات متتالية ويقول لي " أنا لا يمكنني أن أعود إلى أهلي وأسرتي وبلدي إلا بعد أن يسقط زين العابدين أو يموت ..." فقلت له قد يأتي من هو أكثر جبروتا وطغيانا من بن علي فتبسم واكتفى بالرد علي بقوله " احمد الله إنك في موريتانيا ولست في تونس ..." الحمد لله .
اشتهر بن علي بالسخرية العلنية والاستهتار بكل ما يمت للدين بصلة حتى بلغ به الأمر أن شن حربا تستهدف دمية محجبة تشتهر باسم " فله" وداهمت قوات أمنه عددا من المحال وصادرت كل بضاعة تحمل هذا الشعار، وأعطى الحرية التامة لكل من يريد سب الإسلام والمسلمين وألغى إجازة يوم الجمعة معتبرا أنه يوم عمل والصلاة لا تكون إلا بعد نهاية الدوام أي قبل صلاة العصر بقليل.
ما ثورة 14 يناير 2011 إلا استجابة لدعوات أولئك الشباب الذين حرموا صلاة الفجر في المساجد إلا ببطاقة ممغنطة وتصريح من الحكومة، واستجابة لدعوات الحجاج المستجابة في الحرم على من يمنعهم حتى في مكة من سماع مواعظ الخطباء في مواسم الحج ويجند الاستخبارات لتمنع دخول الواعظين إلى المخيمات التونسية، ثم استجابة لدعوة لأنصار حركة النهضة الإسلامية على من حظر وحاصر حركتهم ذات الشعبية العريضة بعد فوزهم الكاسح في أول انتخابات يجريها في عهده سنة 1999 بعد اثنى عشرة سنة من الحكم، هي انتقام من الله لما يحدث عل شواطئ مدينة الحمامات من الفسوق والعهر بدعوى تنشيط السياحة والسياحة هي مصدر الدخل الأول في تونس.
إذن فما موريتانيا ومصر وبقية حكومات العالم الإسلامي ببعيد من تونس إن أرادوا فسادا في الأرض فيكون جزاءهم (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فعلى حكومات العالم أعتبار ذالك قبل أن يخرج من كل أمة بوعزيزيها فيكون مصيرهم مصير سلفهم بن علي.
فما مصير رئيس موريتانيا الذي حكمها لأزيد من عشرين عاما عنا ببعيد، فلم يرسل الله عليه بعض أعوانه إلا بعد العبث في الأرض يمينا وشمالا وهتك حرمة المساجد واعتقال العلماء وإهانة الدعاة والسخرية بشعائر الله والكل يعرف ذلك، والأمثلة في العالم العربي وخارجه على مصائر الذين أرادوا فسادا في الأرض أكثر من أن يحصيها سفر أحرى مقال.
إذن يا أباة الخضراء وأبطال تونس لكي نحسن استغلال الرسالة ولا تذهب دماء شهدائنا سدى فهاهي الفرصة سانحة الآن لا ترضوا إلا بمن سيعوضكم عن ما سامكم به ابن علي من الذل والهوان فحرية إقامة الشعائر الدينية هي أول شيء، ولن تعدموا في بلادكم من العلماء والمفكرين الإسلاميين من أمثال راشد الغنوشي من ينير لكم سبيل الراشد فأحسنوا اختياركم واعلموا أن الله يمهل ولا يهمل.
Tuesday, January 18, 2011 at 8:32pm
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire