dimanche 8 mai 2011

القذافي ... بين إفراط كتابنا وتفريطهم


نشر موقع السراج الموقر من بين مواقع أخرى ـ مؤخرا ـ عدة مقالات لكتاب كبار على شكل سجالات بين مادح للزعيم الليبي معمر القذافي وقادح فيه ـ ولا يخلو المرء من مادح وقادح ـ، بين التفريط في قدح شخص القذافي وفكره ومشروعه إلى حد الوقوع في شكله والحديث عن مظهره وهندامه ـ وهو ما لايمت للنقد البنّاء بصلة ـ وبين الإفراط في مدحه وتمجيده إلى حد الجزم بوجود نسخة من الكتاب الأخضر في كل بيت موريتاني، فقررت الإدلاء بدلوي رغم قصر شطنه مع أني استغرب أصلا الكلام على القذافي سلبا أو إيجابا وكأننا في موريتانيا لم يعد لدينا ما نكتب عنه وننتقده، إذ تحول البلد إلى نعيم مقيم وحُكم بالعدل وحل فصل الربيع وتفتح الورد وانتشر أريج الأزهار في ربوع الوطن, ثم لماذا الكتابة عن القذافي فقط فهو لا يتصف بصفة إلا ويتصف بها باقي حكام العالم العربي، أم هي الأيدلوجيا والفكر..؟ أم هو السعي وراء لقمة العيش؟

كانت كلمة القذافي حول ثورة تونس هي محط رحال كتابنا حيث فهمها بعضهم ـ وهذا حقهم ـ أن العقيد أراد أن ينبه الشعب التونسي على الفراغ الذي قد يخلفه رحيل بن على وما سيتلوه من نهب وسلب وفوضى، البلاد في غنى عنها ـ وقد حدث بعض ذالك ـ أو ربما استغلال ثورة الشعب من قبل من هو أسوء سمعة من بن علي ـ وذالك مالا نتمناه ـ. وقد انهال بعض كتابنا في مقالاتهم على القائد سبا وشتما، وهو مالا ينبغي أن يجعله الكاتب الناقد سلاحا له، بل مقارعة الحجة بالحجة والدليل بالدليل والفكر بالفكر، كما لا ينبغي له أن ينجر وراء أيديولوجيته و عاطفته فتعميانه عن رؤية الحق وانزال الناس منازلهم.

للإنصاف، عرف الزعيم الليبي مذ كان طالبا في مدارس سبها بحسه القومي والذي تمثل في المظاهرات العديدة التي قادها ضد الانفصال بين سوريا ومصر، كما عرف بروحه القومية التي تبلورت في محاولاته انجاز العديد من المشاريع الوحدوية منذ وصوله إلى سدة الحكم في ليبيا فاتح سبتمبر 1969، وذالك ما جعل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يطلق عليه لقب "أمين القومية العربية". هذا الحس بأهمية الوحدة والشعور بالانتماء لم يقتصرا فقط على العالم العربي بل تجاوزاه إلى الرغبة في توحيد القارة الأفريقية ومن أشهر شعارات القائد في هذا الصدد " إفريقيا للأفريقيين...." وقد توجت جهوده بتأسيس تجمع دول الساحل الذي ضم 23 دولة ثم تحويل منظمة الوحدة الإفريقية إلى الإتحاد الإفريقي في قمة سرت المعروفة ب 9/ 9/ 1999.





إذن علينا الاعتراف ـ بغض النظر عن مدى نجاح هذه الجهود أو فشلها ـ بأنها تظهر ـ ولو شكليا ـ اهتمام الرجل بالوحدة وسعيه إليها.

للإنصاف، تنعم ليبيا بما نفقده اليوم في موريتانيا ألا وهو الاستقرار السياسي والذي يعتبر المحرك الأول للتنمية في أي بلد، والمستقطب الأهم للاستثمارات الأجنبية والتي قد يستفيد منها شعب لم يستفد ـ رغم قلة كثافته ـ من الثروات الهائلة التي يزخر بها بره وبحره. نتائج هذا الاستقرار السياسي هي ما جعل فرانسيس فوكوياما يعترف بأن ليبيا تعيش نوعا من الاستقلالية الاقتصادية و الاكتفاء الذاتي مكّناها من الوقوف في وجه الحصار الذي فرضه عليها مجلس الأمن إثر قضية لكربي 1988.

إذن أما كان ينبغي لكتابنا ـ بدل الحديث عن شَعر القذافي ووجهه ـ أن يعترفوا بهذه الإنجازات شعورا بالغيرة لحالنا ورغبة في استيرادها لبلدنا.

لكن في المقابل، علق بقية من كتب من كتابنا في هذه السجالات على كلمة القذافي ـ وهذا حقهم ـ وفهمها على أنها استباق منه للأحداث خشية أن يتسرب فكر الثورة عبر الحدود إلى الشعب الليبي فيثور على من يجثم على صدره لأكثر من أربعين سنة. وكان هذا التحليل ردا على تحليل زملائهم الذين لم يألوا جهدا في مدح القذافي وسرد مناقبه إلى أن جعلوه ـ او كادوا ـ نبيا بعثه الله بعد من لا نبي بعده ليجدد للناس دينهم على رأس المائة الخامسة بعد الألف.

للإنصاف، إن كان القذافي ليمدح بشيء فبأمور من قبيل تلك التي ذكرتها في بداية المقال, وليس بالاهتمام بالإسلام ونشره أحرى بفتح دور للعبادة، فليس الموريتانيون سذجا ليصدقوا ذالك " المشروع الدعوي" الذي يقوم به الزعيم ويؤمنوا به إلى حد أن يقتني كل منهم نسخته من الكتاب الأخضر في بيته. على من تضحكون ياكُتابنا؟ أليس القذافي ـ كما يقول الشيخ كشك رحمه الله ـ هو من اقترح حذف عبارة "قل" من المصحف الشريف ’فهي أمر موجه لمحمد و محمد لم يعد حيا’ ـ صلى الله على محمد ـ؟ كيف "لنبي الصحراء" أن ينشر الإسلام في إفريقيا والبلدان النائية، أم أنه لايؤمن بالآية " وأنذر عشيرتك الأقربين " ؟ لماذا لانرى أحزابا إسلامية نشطة في ليبيا وهو " المفكر" الذي يدعي حل مشكل الديمقراطية في الفصل الأول من كتابه الأخضر من الخارج والأحمر من الداخل كما وصفه جعفر النميري.

ولكي ألتزم منهج النقد الذي رسمته في بداية المقال، تعالوا بنا إلى كتاب آخر من كتبه وهو "القرية القرية...الأرض الأرض... وانتحار رائد الفضاء" لنرى كيف يُنظًر فيه لمشروعه, وقد عُرض هذا الكتاب على طبيب نفساني فرنسي شهير من قبل مجلة " لفنمان دو جودي" فكان تحليله كالتالي ـ والخبر منشور على مواقع إلكترونية عدة ـ: "إن هذا الكتاب يصلح لتدريسه لطلاب الطب النفسي، كونه يجمع كل عناصر هستيريا جنون العظمة..." وقد عاث فيه القذافي بمبادئ الإسلام ومسلماته يمينا وشمالا وسنعضد كلامنا باستشهادات من الكتاب نفسه لئلا يقول قائل إننا افترينا على الرجل ما لم يقله ثم أترك للقارئ الحكم. وللقارئ أن يعود إلى الصفحات (199 ـ 128) من الكتاب نفسه وهو متوفر بكثافة على الشبكة العنكبوتية.

يبدأ هذا المقطع من الكتاب بقصة "الفرار إلى جهنم" ويقول فيه الكاتب أنه بات أحلى ليلتين من عمره في قلب جهنم ووجدها عكس ما يصف الدجالون ـ يقصد بذالك علماء الأمة وربما الأنبياء ـ فهي ساكنة هادئة كالجبال لا زفير لها، يقول: " وقفت لأسلك أقصر الطرق إليها،... وأختار أقربها إلى قلبها... ولعلي أسمع لها زفيرا، لكن جهنم ساكنة تماما، وهادئة وثابتة كالجبال التي حولها، ويحوطها سكون عجيب، ويلفها وجوم رهيب..."(119). نتقدم مع الكتاب قليلا فإذا به يصف لنا الموت ويتساءل هل الموت ذكر أم أنثى، ثم يرجح أنه ذكر ويصفه بأنه مراوغ ومتلون ومتقلب وجبان ويطعن من الخلف، " فالموت ذكر مهاجم دائما، ولم يكن في حالة دفاع حتى ولو هزم وهو شرس شجاع ومخادع جبان في بعض الأحيان... فعليكم بمقاومة الموت لإطالة أعماركم مثل أبي الذي لم يستسلم له يوما وقاتله دون خوف منه حتى بلغ مائة سنة رغم أنف الموت الذي أراد أن ينهيه في الثلاثين..." (120 ـ 122).

في قصة "ملعونة عائلة يعقوب... ومباركة أيتها القافلة" يتحدث الكاتب عن عائلة نبي الله يعقوب ـ عليه السلام ـ ويُعرَف بها كما نعرفها جميعا، ثم يعقب على كلامه بقوله : " هذا ما كنا نعرفه عن عائلة يعقوب وهو قمين باحترامنا لها وتقديمها علينا... ولكن لنعلم أنها ملعونة عائلة يعقوب... إنها ليست مجيدة ولا مباركة تلك هالة مزيفة خلقت حولها... وتمجيد في غير محله لعائلة يعقوب التي لا تستحقه، ملعونة عائلة يعقوب حتى وإن كان جدها إسحاق وابنها يوسف.. إنها من أحط العائلات وأشدها كفرا ونفاقا ... " (123 ـ 125). وقس على ذالك ما تلاه من تعريض بعلماء المسلمين على مر التاريخ وصولا إلى سيد قطب وكتابه "في ظلال القرآن" في قصة "دعاء الجمعة الآخرة" والتي تليها بعنوان "وانتهت الجمعة دون دعاء" وما بعدهما.

إذن كُتابنا الأعزاء، إن كنا لابد كاتبين فلنكتب عن أوضاعنا المزرية في الداخل ونحاول نقدها وتصحيحها ونلعب دور المثقف الحقيقي ـ كما يقول افرانتز فانون ـ في توعية وتثقيف شعبه وأمته. وإن كنا لابد كاتبين عن العالم من حولنا فلنكتب عنه كله فنقطف من تجارب القوم ثمارها ونعرض عما ينافي مبادئنا وتعاليم ديننا وأولويات أمتنا. وإن كنا لابد كاتبين عن القذافي فلنضع النقاط على الحروف، فلا إفراط يجعلنا ننكر ما قام به الرجل لمصلحة بلده و شهد له العالم به من انجازات، بمجرد أنا نختلف معه في الفكر. ولا تفريط يجعلنا نضحك على الرأي العام ونهدر مداد أقلامنا فيما لا طائل من ورائه لكسب حظوة نفسية أو غاية دنيوية.

قد يتهمني بعض القراء بالتناقض وذالك ما لا أراه. إنما هي رسالة مفادها أن القذافي يمدح في أمور ويقدح ويشنع عليه في أخرى، وفصل القول في أولوية إحدى هذه الأمور على الأخرى هو ما قد يستدعي منا كتابة مقال آخر...

لكن ليت حكامنا كالقذافي يقرءون... فيكتبون... ثم ينشرون
                         Thursday, January 27, 2011 at 12:39am                                             

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire