dimanche 22 mai 2011

الثورة في زمن موت الإيديولوجيا


بقلم :الشيخ ولد محمد الأمين مزيد 

الإيديولوجيا، بالمعنى الأصلي، اللغوي، هي البحث في منشأ الأفكار، والثورة هي انقلاب على هذه الأفكار وعلى مختلف تجسيداتها في الواقع، انقلاب على الأشخاص والمؤسسات.
وعلى مختلف الرموز التي ترسخ هذه الأفكار أو تدافع عن مشروعيتها، فالثورة ثورات والإيديولوجيا إيديولوجيات، تموت الإيديولوجيات وتفسد مآلاتها بتغير المعطيات الواقعية التي عكستها، بلغة ماركس، لكن الثورات تجدد نفسها، كما يجدد النهر مياهه كل وقت وحين، لأنها، ببساطة، تجسد الإنسان في طبيعته الأولى، وهو يحن إلى الخلاص.
لقد قيل وكُتب الكثير عن مفهوم الثورة هذا وصرفت ثروات طائلة في منتديات ومنشورات يدعي أصحابها أنهم وجدوا سبيلا إلى الثورات، لينتظر العرب عقودا طويلة بين رومانسية الشعارات الثورية وطغيان من نصّبوا أنفسهم حراسا لمعابدها «المقدسة»، لتندلع شرارتها الأولى على يد بائع متجول وليس على يد حزب طليعي أو نخبة طليعية، ولم تكن علتها بسبب «حتمية» إيديولوجيا، واقعية كانت أو طواباوية، بل بسبب بسيط هو الاحتجاج على مصادرة عربة لبيع الخضر.. إنه تاريخ جديد يُكتَب، تاريخ نحن شهوده ومنا شهداؤه.. فلا قصائد مظفر النواب وسميح القاسم ولا أغاني مارسيل خليفة والشيخ إمام استطاعت أن تخلق لدى الإنسان العربي حافزا للثورة، لذلك تفتح «المساء» ملف الثورات في زمن موت الإيديولوجيات، لأنه حديث الساعة، ولأن ما سيأتي بعده سيغيرنا، إلى الأبد، فإذا كان ماركس ولينين وماو وتشي غيفارا ولومومبا وعبد الناصر والخميني قد ماتوا مرتين، عندما أصبحت مقولاتهم في حل مما يجري اليوم، فإن جذوة الثورات في الشعوب لم تمت.. هو ملف نلتفت فيه إلى ما يجري في العالم العربي اليوم، نقرؤه ونستنطق أبعاده وتأثيراته، فما يجري أكبرُ من أن تستوعبه فكرة أو حزب أو إيديولوجيا، إنه طوفان يجمع المتناقضات من أطرافها، الافتراضي والواقعي، الفردي والجماعي، الإقليمي والدولي، ويحمل معه أحلام وأمال الجميع..
يمكن القول إن مفهوم الثورة، عموما، مفهوم زئبقي بامتياز يصعب القبض عليه، فهو لا ينتمي إلى ما يسميه المنظرون، مثل ألتوسير، «المفاهيم القوية» (Les concepts forts)، كما أن علاقته بالظروف والشروط التاريخية التي يتحقق فيها كحدث تاريخي تحوله إلى مفهوم متعدد الدلالات، متلون بألوان اللحظات والحقب التي أفرزته وبالثقافات السياسية للشعوب والجماعات البشرية التي أنجزته، لذا ينبغي الحديث عن مفاهيم عديدة للثورات، عوض الحديث عن مفهوم واحد، علما أن نظريات العلوم السياسية كثيرا ما تفادت الخوض فيه ومعالجته نظريا، بحكم الالتباسات العديدة التي طالته. تُنجَز الثورة كمفهوم وكحدث هنا والآن، في لحظة زمنية فارقة وداخل عقدة تناقضات متأزمة على كل الأصعدة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية. إنها أشبه ما يكون بشرخ يحدث في الزمان والمكان، فيصير له أول يسبقه وما بعدُ يليه، قد يمتد هذا الشرخ في سيرورة زمنية طويلة وصامتة أحيانا كثيرة، هي السيرورة المتعلقة بنضج الشروط والمعطيات المؤدية إلى انبجاسه، لكنه يحدث في برهة زمنية محدودة، يشتعل كحدث تاريخي، اشتعال النار في الهشيم، ليحرق كل شيء من حوله، أي كل سمات الواقع السياسي المأزوم والمحجوز الذي ثار ضده الناس أو الشعب أو الحشد الهلامي الغُفْل، لأن القوى الاجتماعية المحركة للثورات غالبا ما تكون متعددة ومخترقة بتناقضاتها وتنويعاتها. الثورة وتأثيرها في التاريخ.
والغريب أن هذه السيرورة المنبجسة تؤثر أحيانا كثيرة في مسارات تاريخية طويلة في الزمان وواسعة في المكان وتتحول من مجرد حدث يوقف حركية التاريخ إلى حدث ينتج التاريخ هو ذاته، أي يؤرخ للأحداث انطلاقا منه، تماما كما حدث مع كل الثورات التي أثثت التاريخ البشري، منذ الثورة الفرنسية وحتى الثورة الإيرانية في نهاية سبعينيات القرن الأخير، مرورا بأخرى عديدة. يقودنا هذا إلى القول ضرورة إن الثورات هي، أولا وأخيرا، أحداث تاريخية، مثل الغزوات والحروب والاحتلالات وغيرها.
يؤكد الكثير من الفلاسفة والدارسين، ومن ضمنهم كانْط، أن الثورات لا تدوم إلا لحظة اشتعالها، أي أنها في الغالب الأعم تكون حدثا لا غد له، سواء بالنسبة إلى الفعَلة التاريخيين فيه أو إلى منظريه وقادته، ومسألة انعدام الغد هذه لا تقاس بالزمان أو بالعقود المتتالية، بل بمدى قدرة الثورة على الحفاظ على زخمها القوي ونفَسها المُلهِم ومحتواها التغييري المتجدد.
هناك من الفلاسفة من يرفضون الثورة رفضا تاما ويعتبرونها نوعا من الخراب الذي يصيب البنية الاجتماعية والسياسية ويهدد أسس الدولة وكيانها، وهو ما ذهب إليه سبينوزا حين أدان في كتابه «رسالة في السياسة»، القلاقل والانتفاضات ووقائع الشقاق والانفصال، بمختلف أنواعها.
بهذا المعنى، يتم الحديث عن الثورات التي تأكل أبناءها أو تتم خيانة مبادئها وتوجهاتها من طرف قادتها والفعَلة الأساسيين فيها، كما حدث في الثورة الفرنسية، التي شهدت قطع أعناق البعض من زعمائها وخطبائها، مثل دانتون وروبسبيير وغيرهما، والثورة الإيرانية، التي سرعان ما انقلب فيها رجال الدين من «الملالي»، بزعامة الخميني، على حلفاء الأمس من اليساريين والليبراليين، ليُعدَم البعض ويفر آخرون خارج البلاد، إضافة إلى أمثلة عديدة أخرى. ضمن هذا السياق أيضا، رأينا كيف أن الثورة الروسية سنة 7191 سرعان ما أفرزت، بعد وفاة لينين، مُنظّرِها وقائدها الأساسي، نظاما إجراميا بزعامة ستالين، نصب المشانق لرفاق الأمس ونظم محاكمات موسكو الشهيرة، ونفى إلى «الغولاغ» العديد من الثوريين والمنشقين. معنى هذا أن الثورة لا يخوضها بالضرورة أشخاص شبيهون بالملائكة ولا تكون، من حيث هي حدث تاريخي، بريئة إلا لحظة اشتعالها وانبجاسها، أما بعد فإنها تلج حيزا مبهما ومناطق غامضة من التحالفات والتسويات والتراجعات التي تقودها حتما إلى الجمود والتحجر داخل نظام سياسي جامد يحكمه زعيم وحزب واحد، وبعدها إلى الانهيار والانمحاء، حيث لا يبقى لها وجود كواقع سياسي وتظل مجرد موضوعة مذكورة في كتب التاريخ، كما حدث مع الثورة الروسية، التي انهارت تحت وطأة سياسة الشفافية، التي أعلنها غورباتشوف، بعد أكثر من ستة عقود على اندلاعها.
يقودنا هذا، بالضرورة، إلى الحديث عن مسألة العلاقة بين الثورة والشرعية. كثيرا ما تنحو الثورات، عموما، منحى الحفاظ على ما تسميه «الشرعية الثورية»، التي تتمأسس في جهاز دولة ونظام سياسي لا وجود لخيارات أخرى خارجه، وهي الشرعية التي تتآكل بفعل عوامل التعرية التاريخية والتغييرات الطارئة والسريعة التي تطال العالم. باسم هذه «الشرعية الثورية»، المفترى عليه، مارست أنظمة سياسية فاشية واستبدادية جرائمَ مهولة ضد شعوبها وضيّقت الخناق على الجماعات البشرية وعلى الأقليات العرقية والثقافية، إذ كيف يمكن إضفاء الشرعية لأمد طويل على شيء غامض أساساً كالثورة، إذ لم يتم بعد ذلك التفكير في تدعيمها بشرعية ديمقراطية، تتمثل في بناء مؤسسات مدنية منتخَبة ديمقراطيا وذات تمثيلية حقيقية للحشود من الناس الذين خيضت هذه الثورة باسمهم…
إن التفكير في الشرعية الديمقراطية وتأسيسها، بشكل ملموس، هو بناء لمستقبل الثورات بناء إيجابيا وفعالا يهم الكل ويكون لصالحه، أما الاكتفاء بالشرعية الثورية، كما فعلت العديد من الثورات، فيدخل في باب خداع النفس، السياسي والتاريخي، حيث يتحول ثوار الأمس إلى مستبدي اليوم ولا يبقى متألقا من الثورة، كما حدث مع الكوبية مثلا، غير «أيقونة» غيفارا، مرسومة على قمصان شباب اليوم، غيفارا، الذي تخلى عن النظام السياسي وذهب إلى أعالي بوليفيا، باحثا عن نجمة القطب الوحيدة التي أضاءت وجوده، أي عن «يوتوبيا» الثورة، قبل أن يُغتال أعزلا ومنهَكَ القوى… الثورة كبديل للواقع.
لا تستمد الثورة شرعيتها، بالضرورة، من حدث انبجاسها واشتعالها، بل من قدرتها على الاستمرارية كبديل يضيء وجود الناس في حياتهم اليومية ويتماهى مع رغباتهم ودوافعهم، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو اجتماعية أو حضارية، ويدعم حرياتهم، الفردية والجماعية، ويضمن حقوقهم. لكن المشكل المطروح هو أن الثورات، عموما، منذورة للخيانة، لأن الناس الذين يتظاهرون في الشوارع والميادين العامة هم أول من يتم تجاوزهم، حين تكتمل الثورة، لأن الثورة المضادة، كما ترى المؤرخة الفرنسية سيلفي أبريل، تتكيف مع بعض الطالب السياسية وتتبناها، لتحولها إلى أدوات لممارسة سلطتها. ليس من قبيل التشاؤم أبدا القول إن الثورات لا مستقبل لها، ولكن قولا كهذا لا يعني، بالضرورة، «إفلاس» مفهوم «الثورة» أو تجاوزه، لأنه محرك من محركات التاريخ الأساسية.
عوض الحديث عن أسباب الثورات، ينبغي الحديث تحديدا عن الشروط الناضجة لانفجارها، ومن ضمنها الرغبة الجماعية العارمة في تجاوز حاجز الخوف والإحساس بالعار الذي يكبل الكل، ناهيك عن الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تطال الحياة اليومية للناس. إن الأنظمة السياسية التي تُشيّد ممارستها الاستبدادية على إشاعة الخوف والخنوع بين الناس غالبا ما تمارس نفوذها وسلطتها إلى حين، لكنها تنهار بعد ذلك بمجرد أن يكتشف الكل بأن الإحساس بالخوف مرتبط بمتخيل الخضوع الذي يكبل أرواحهم ويجعلهم عاجزين عن ممارسة الحرية، غارقين حتى النخاع في إيجاد تبريرات واهية لعبوديتهم. يكتشف الناس حينها، أيضا، أن الشرعية تتعلق بطبيعة الشروط السياسية التي تخلقها، إذ كما أن الثورة تؤسس عبر حدث انبثاقها بالذات لشرعيتها، فإن الأنظمة الاستبدادية تؤسس لشرعيتها عبر ممارسة سياسة قامعة للحريات، كيفما كانت. معنى هذا أن الشرعية ليست معطى جاهزاً بل هي سيرورة تبنى شيئا فشيئا، عبر الخطابات والأحداث والممارسات، وأنها متنوعة بتنوع السلط أو الممارسات السياسية التي تستند إليها، وهذه النقطة المرتبطة بالشرعية بالذات هي ما عكف المحترفون الثوريون على إنتاجه وتدعيمه، عبر تنظيراتهم وكتاباتهم الإيديولوجية. خيضت أغلب الثورات، بدءا من الروسية وحتى حدود الإيرانية، انطلاقا من التنظيرات الإيديولوجية التي أنتجتها قادتها والفعلة الأساس فيها، وتكفي هنا العودة إلى مؤلفات لينين وتروتسكي أو إلى كتابات منظري الثورة الفرنسية أو إلى ما خص به الخميني الثورة الإسلامية للتأكيد على ذلك، والنماذج في هذا السياق تربو عن الحصر. لكن انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين (9891)، جسدا معا، كحدثين هامين، انهيار الإيديولوجيات أو موتها تحديدا، لأن العوامل الإيديولوجية التي حركت الشعوب، مثل الاشتراكية والشيوعية وغيرهما، آلت إلى مآلات تاريخية كارثية، بحكم التطبيقات والتجسيدات السياسية التي قضت على الكثير من الجوانب الإيديولوجية الإيجابية، وذاك، بشكل من الأشكال، ما سماه فوكوياما حينها «نهاية التاريخ»، في مقاله الشهير، أي موت الإيديولوجيات الإنسانية نوعا ما، والتي أخفقت في الحفاظ على إنسانية الإنسان. لقد رامت الإيديولوجيات، حينها، إنتاج خطاب نظري متماسك لعقلنه الثورة، تحويلها من مجرد حدث طارئ إلى مبدأ يُستعمَل من طرف الكثيرين، منظرين ونخبا سياسية، لتفسير السيرورة التاريخية وتبريرها، باسم التقدم والتطور.
إن إحدى السمات الدالة على موت الإيديولوجيا، باعتبارها القاعدة التي تُشيَّد عليها الثورات والتحولات التاريخية، هي أن أغلب الثورات في ثمانينيات القرن الماضي في أوربا الشرقية اشتعلت بدون خلفيات إيديولوجية، عدا المطالبة بالديمقراطية والحريات واحترام حقوق الإنسان، وكانت في الأغلب، منذ الثورة البولونية التي بدأت سنة 0891، سلمية وجماعية في طبيعة القوى الاجتماعية المحركة لها، وتعرضت للقمع أولا، قبل أن تنتصر في نهاية المطاف. وعوض الإيديولوجيات التي ماتت، يمكن الآن الحديث عن رغبات وإرادات وأفكار تحررية، تكون هي الخلفية الكامنة وراء الانتفاضات والثورات، أي محفزات على مقاس الإنسان المنخرط في حياته اليومية وصعوباتها، محفزات قد تبدأ من المطالبة بالخبو أو ب«العِيشْ» (باللهجة المصرية) وتنتهي بالمطالبة بالكرامة أو العكس. لقد كان دالا في ثورة «الياسمين» في تونس «منظر» ذلك الرجل العجوز ذي الشعر الأشيب وهو يبكي فرحا، بعدما تحقق حلم حياته بالثورة، مرددا: «لقد هرمنا، لقد هرمنا».. إذ ربما قضى ذلك الكهل حياته كلَّها لاهثا خلف يوتوبيا (utopie) قبل أن تتحقق. يطرح زمن موت الإيديولوجيا، دون شك، تحديات كبرى على الثورة، سواء كمفهوم أو كحدث ملموس. لم يعد الآن ضروريا أن تنطلق الثورات من خلفيات إيديولوجية إسمنتية صارمة، تنظر بالضرورة إلى الحزب الطليعي وإلى الطبقة التي يشكل وعيَها ويتكلم باسمها، أو طبيعة الدولة التي يخطط لبنائها انطلاقا من هذا الوعي الإيديولوجي بالذات. لقد رأينا كيف أن الشباب في تونس أو مصر يحملون شعارات مكتوبة بسيطة بل وساخرة أحيانا، ويرتدون «تي شورتات» تحمل صورة شي غيفارا، التي يرتديها الشباب عموما، سواء من عشاق موسيقى «الروك» أو «الميتال» أو غيرهما. معنى هذا أن الوسائط والحوامل الفكرية للثورة تغيرت، مع التغيرات التي طالت الحياة اليومية الاجتماعية للناس ونمط سلوكاتهم الفردية والجماعية وطبيعة ونوعية الأفكار التي يحملونها، بفضل تأثيرات العولمة والتنميط السلوكي الثقافي الكوني، إذ أصبح ممكنا الآن الحديث عن عولمة طرق الاحتجاج والتظاهر والثورة، تماما كما عولمة الموضة أو الأذواق والمعايير الجمالية والفكرية. إن عوامل «التعرية»، التي أفرزتها العولمة، لم تؤثر فقط في الحشود من الشباب «الفايسبوكيين» الذين خاضوا الثورة في تونس ومصر مثلا، بل أيضا في الأنظمة السياسية، التي طالها الجمود، بفعل التسلط والاستبداد، والتي ألفتْ نفسَها هشة نفسيا، سريعة العطب وغير قادرة على الاستمرار، للحفاظ على مصالحها.
دور الإعلام في إعادة تشكيل الوعي
لقد رأينا الدور الذي لعبته القنوات الفضائية ك«الجزيرة» مثلا، في إعادة تشكيل العالم العربي على المستوى الإعلامي والإخباري، لقد أعادت تشكيل العالم العربي كفضاء سياسي مشترَك، يلفي الفعَلة السياسيون الثوريون أنفسهم حاضرين داخله بشعارات وسلوكات ثورية موحَّدة. لم توحد هذا الفضاء الإيديولوجيات، كيفما كانت، وإنما وحدة الانتماء الجيو سياسي المشترَك. لم تعد الثورة الآن، أي من زمن الميتات المتعددة والبئيسة للإيديولوجيات، ممكنة انطلاقا من مرجعية إيديولوجية واحدية، لأن زمن المطالبة بالحريات الجماعية والفردية وحقوق الإنسان والديمقراطية، باعتبارها نمط تدبير عقلاني للصراع والتداول السياسيين، أنزل الثورة من سمائها الإيديولوجية المتعالية إلى أرض الواقع اليومي، بمطالبه واحتجاجاته المشروعة، ولم يعد ضروريا الوجود القبلي لمحترفين ثوريين إيديولوجيين، يقطفون «ثمار» الثورة، باعتبارهم مالكي شرعيتها الثورية ورأسمالها الرمزي. لم يعد المثقفون أيضا وسائط لنقل الوعي أو إنتاجه، أو الحديث باسم الجماعات والشعوب التي ينتمون إليها. لقد انتهى النموذج السارتري ولم تعد قضايا التمرد أو الثورة شأنا يهم المنظرين… بالقليل من الإمكانيات وبدون أسلحة ولا «زعماء»، استطاع شباب شبكات التواصل الاجتماعي جمع الآلاف في شوارع تونس وفي «ميدان التحرير» في مصر، لأن الأهم بالنسبة إلى الثورة في زمن الأنترنت هو التحكم في التواصل ونشر القضايا بسرعة وتعميمها على العدد الأكبر من مرتادي الشبكة العنكبوتية. لم تعد المقالات والكتابات النظرية في الجرائد والمجلات التي كانت سائدة في زمن السلطة المطلقة للإيديولوجيا هي الوسيط بين المثقفين الإيديولوجيين وعامة شرائح الشعب، بل شبكات التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك»، حيث يتم تعميم الأخبار والأفكار ب«سرعة الضوء». منذ اليوم، كما يرى المؤرخ الفرنسي هنري لورنس، يجب على كل نظام دكتاتوري أن يخشى «فايسبوك» أو «تويتر»…
الأفراد يكتشفون مواطنتهم ويتحملون مسؤوليتهم في التغيير
لم تعد هناك حقيقة إيديولوجية واحدة للثورة، بل حقائق متعددة أعادتها إلى أرض الواقع. لم تعد الثورة مستحيلة، نظرا إلى تعدد المرجعيات والوسائط التي تسندها، لكن الاستحالة هنا لم تعد تطال الحدث، دون إغفال المعاناة والمآسي التي تطال الشعوب والجماعات البشرية قبل تحققه. صارت الثورة، في زمن من موت الإيديولوجيا، مسألة متعلقة بالشعب، في مجموعه، تماما كما هي متعلقة بكل فرد على حدة، يستطيع أن يواجه السلطة التي يعتبرها مستبدة وظالمة في حقه الإنساني في المجازفة بحياته. ذاك ما جسده بشكل ملموس الشخص الأعزل الذي وقف أمام دبابات السلطة في ساحة «تيانانمين» وجسده الشاب التونسي البوعزيزي وشباب ساحة التحرير في مصر…
هناك لحظة حاسمة في الزمن الما بعد إيديولوجي للثورات، يكتشف فيها الفرد المواطن مواطنته المقموعة ويضطلع بمسؤوليته، كما لو أنه جماعة أو شعب آت. ذاك أيضا ما يسميه ألبير كامي في كتابه «الإنسان المتمرد»: «أنا أثور، إذن نحن نوجد»… إن الزمن الما بعد إيديولوجي للثورة هو زمن من الأفراد العاديين الذين يرمون ويريدون التحقق في صيرورتهم الثورية، إلى حد أنهم قد يختارون المجازفة بحياتهم على البقاء خاضعين وخانعين.
لم تعد هناك الآن حاجة إلى سؤال: «ما العمل؟» اللينيني، ولم يعد بالضرورة إستراتيجيا.
أما الثوريون المحترفون فقد انمحوا مع انمحاء الشروط التي كانت تسمح بوجودهم. لعل هذا ما يجسده، بشكل ما، السؤال الساذج والمتحمس ربما، الذي طرحه المفكر الألماني هوركهايمر: «لكنْ، هل هي مرغوب فيها إلى هذا الحد، تلك الثورة؟»…
لنترك هذا السؤال، برغم سذاجته الظاهرة، مفتوحا من جهة، أما من جهة أخرى، فإن القول بلا جدوى الثورة وإن الأحسن هو المراوحة في المكان يظل قولا لا أخلاقيا، لأنه يتعلق بالحياة المباشرة للمقموعين والمقصيين. الثورة، إذن، كمفهوم وكحدث، أمر موجود وسيوجد دوما في مركبة التاريخ، وعبرها تنجس الذاتيات الخاصة بالأفراد، لا ذاتية الناس المعروفين أو المنتمين إلى النخبة، سياسة كانت أم ثقافية، بل ذاتيات الناس العاديين، الذين يرفضون النظام الذي يقمعهم. يكفي وجود هؤلاء في عريه وفداحته ليكونوا ثوريين بلا حزب ولا إيديولوجيا ثورية.
.

samedi 21 mai 2011

الرقص على أقفاف المختصر

(هوامش على المشاركة الموريتانية في اليوم الثقافي لكونفدرالية الطلبة الأفارقة في فاس) 
  
بقلم: الشيخ أحمد ولد البان

 لست أدري من أين أبدأ بوحي، كل ما حوالي "قبر مالك" عند متمم بن نويرة:
فقلت له إن الشجا يبعث الشجا ** فدعني فهذا كله قبر مالك

لا مناص من تناثر الكلمات/العبرات... قد يصفني البعض بالعاطفية وربما لمزني آخرون بالتطرف وضيق الأفق وسأرضي كثيرين ولكن عزائي أنني إن لم أرض كل طلبة فاس سأكون مرضيا عند العلامة والأديب سيد عبد الله بن رازكة العلوي الشنقيطي وعند العلامة ابن زكري الفاسي، كما سأكون ذا حظوة خاصة عند العلامة محمد عثمان بن اغشممت المجلسي وأمثالهم ممن أقامت محاوراتهم الفقهية نهضة علمية بفاس أيام كانت الحاضرتان ترمزان للعلم والأدب.

تلك أمة قد خلت لها ما نقشت في مخيال التاريخ من أثر جميل وصيت حسن.."وجاءت بعد ذاك صروف دهر"و ثقافة عصر رديئ ..فانتفض الأحفاد على خدر من الفكر وفترة من عمارة الروح ليطمسوا قسمات ذلك التاريخ، موقعين على خطى الغابرين بسنفونية لا تمت برحم موصولة لتهويمات أبناء الكحلاء بطرة ابن زين، ولا لهينمات سامري القرويين بأقفاف المختصر...هي إذا تغريدة خارج متتالية التاريخ الأغر..وقفة اضطرارية لتغيير "الجانبة" بلغة أزوان..رغم تيدنيت ولد أباش ..لحظة عابرة ضاعت فيها أصداء القوافل المحملة بعبق التاريخ..ليكشف المشهد عن القادمين من أرض الرجال ..لم يبتدروا سواري القرويين هذه المرة ..لكنهم وقعوا على خطى الغابرين برقصات"كيرى"بالكاف المعقودة و"جكوار" و "الجر" ..و افتروا على المجتمع الشنقيطي حين برزت من وراء الخشبة طالبات يمسكن بأيدي طلبة..عرض للأزياء المحتشمة طبعا..مشاهد شفعت باستعادة أسوء لحظات التاريخ الموريتاني ...أغاني حملة العقيد معاوية..سجلت القضية ضد مجهول و أرخيت الستارة...العيش خارج التاريخ برتبة الشرف..هذه ثقافة موريتانيا..كما رآها الآخرون...

هل الثقافة الموريتانية خزف تقليدي ورقص وأكل؟ صحيح أن كل ذلك جزء من الثقافة لكنه ليس "الجزء المتم الفائدة"، أليست الثقافة الموريتانية أكبر وأعظم وأجل من أن تختزل في ذلك..إن الثقافة الموريتانية فقه و أدب وتاريخ حافل بجلى الأمور..ذلك ما تعرفه كل الربوع وتعرفه أكثر مدينة فاس أيام أبرق سيد عبد الله بن رازكة ملغزا في قوله تعالى (فاستخرجها من وعاء أخيه):

أسائلكم ما سر إظهار ربنا ** تبارك مجدا"من وعاء أخيه"
فلم تأت عنه منه أو من وعائه ** لأمر دقيق جل ثم يخيه
وأنت ابن زكري نبيه محقق ** تفردت في الدنيا بغير شبيه
لم يرد الجواب ربما حبسته المواصلات فابن زكري لا يعجزه الجواب، ورد الجواب على لسان العلامة محمد بن سعيد اليدالي:


فلو قال فرضا ربنا"من وعائه" ** فذلــــــكم بعد التفكر فيه
يؤدي إلى عود الضمير ليوسف ** فيفسد معناه لمختبريه
لأن الضمير في الصناعة عائد ** لأقرب مذكور هناك يليه
وإن قال منه اختل أيضا لأنه ** يؤدي لعود مضمر لأخيه
فتنزع منه الصاع لا من وعائه ** وتأنف من ذا نفس كل نزيه
لما في انتزاع من أذى و مهانة ** ولم يرد الرحمن ذا بنبيه

وفي تواصل علمي ثقافي آخر يلغز أحمد بن محمد بن محمد سالم :

أيا أهل فاس الغر لغز سياقه ** بنص خلـــــيل جا وفيه مساقه
أسائل ما عقد صحيح صداقه ** قد ابــــــــــطله قبل البناء فراقه
وآخر فيه أكمل المهر كله ** على الزوج من قبل البناء طلاقه

فأجابه أحد علماء فاس:
فمن وهبت قبل البناء صداقها ** لزوج وذاك الزوج حم فراقه
فليس لها نصف بتطليق زوجها ** فما شطر المأخوذ منه طلاقه
وواهبة من مالها لحلـــــــــيلها ** قبيل البنا ما سيق منها صداقه
يعيد لها المــــأخوذ منه جميعه ** جواب بحــــــمد الله تم اتساقه

تلك كانت ثقافة الأجداد.. وكان ذلك عبقهم في السير والتاريخ..وكنا نحن الوارثين..نحن المهاجرون لقنية العلم ..ولكننا أحرقنا الإرث المقدس وقلنا بملىء أكمامنا المنتفضة على أنغام لبيانو..سلام عليك يا حاضرة العلم ومثابة العلماء...قد هدنا إليك من منارة شنقيط..لكن بميثاق آخر...من عدوتها الدنيا..من بابها المكسور..أردنا أن نعرفك بوجهنا القزحي..ليس اللوح والقلم والشعركل ما في مزادة الرمال السمر..تلك عصور سلمنا الله من العيش فيها فلنسلم أنفسنا من تبعاتها الثقيلة..لم تعد قيمها منساقة مع عصر السرعة وثورة المعلومات... عصر "الفكر الحر" و "الفتوة المنطلقة"...لا..لا ياقيود التاريخ.. سنكسر كل القيود إلا قيد الضرورة..نحن أبناء موريتانيا وهم أبناء شنقيط، فلنسحب أذيالنا على تاريخهم كما سحبت ريح الشمال أذيالها على رمام المدينة الأثرية.. لحظة نسي فيها إنسان الحاضر ماضيه فنسي بذلك نفسه؛ حين أراد أن يساير افريقية في ثقافتها مع فارق التاريخ... رحم الله زمانا كانت فيه المرأة الموريتانية مضرب المثل في الحياء"أشد حياء من العذراء في خدرها"..أم أن مفهوم المخالفة وارد..فهي خارج وطنها أقل حياء؟

أنا مذ عقلت ما حولي لم أر فتاة موريتانية تمثل دورا مسرحيا يقتضي أن تلامس فتى على خشبة العرض ..تابعت الكثير من المسرحيات والعروض ..إنها الطبيعة المحافظة فطريا للمجتمع الموريتاني..هناك مساحة مشتركة بين كل الأطياف الفكرية..احترام أعراف المجتمع وتقاليده..وليس ذلك منها بإطلاق..أم أن للغربة أحكام فرعية؟

أنا لست متزمتا لحد التحجر لكنني لست متميعا لحد التلاشي... أريد أن تبقى موريتانيا بسمعتها والطلبة الموريتانيون بصيتهم الحسن..نحن لسنا من إفريقية إن سلكت ذات الشمال ولا من غزية إن غوت..نحن سفراء لوطن عرف بالعلم والأخلاق... يجب أن نعرض للآخر صورتنا الحسنة وأن نريه منا ما يشرف... و أن نستتر بستر الله 
.
17.05.2009

mardi 17 mai 2011

فلسطين ... ذكرى النكبة في زمن الثورات !


تستحضر الذاكرة العربية والفلسطينية بشكل خاص كل عام عند بزوغ فجر الخامس عشر من مايو أهوال المجازر العظيمة أثناء أكبر عملية تطهير عرقي في التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية تمت ضد شعب أعزل لصالح جماعات الهاجانا الصهيونة بتواطئ وتآمر من القوة البريطانية وعلى مرآى ومسمع من شعوب العالم أجمع. دأب الفلسطينيون على الاحتفال إلى جانب بعض من إخوتهم العرب بذكرى النكبة منذ عام 1948 إلى يومنا هذا وشهد الجو العام للإحتفالات مدا وجزرا حسب درجات الهدوء والغليان في الشارع العربي والذي لم يساوم يوما على أن القضية الفلسطينية قضية إسلامية عربية وجزء لا يتجزء من سوال الهوية والثقافة والدين ...   وقد جاءت الذكرى الثالثة والستين هذا العام في ظل الربيع العربي ... فهل سيسترجع الشعب العربي ماضاع من فلسطين؟ وتهب رياح التغيير على الشرق اللأوسط  لتحقق أحلام الملايين؟
لقد ضاعت فلسطين عام 1897 عندما اختتم الصهاينة أول مؤتمر لهم في بال بسويسرا لبحث السبل الكفيلة بإقامة وطن قومي لهم على "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" حسب زعمهم، حيث أعلن منظر الحركة الصهيونية تيودور هرتزل أن الدولة اليهودية ستعلن بعد خمسين عاما. وقد بذلت بريطانيا الغالي والنفيس حتى لا يتأخر الإعلان عن موعده وشفعت ذالك بوعد وزير خارجيتها آرثير بلفورد لليهود عام 1917 المعروف بوعد "من لايملك لمن لايستحق". ومنعت الفلسطينيين من التمتع بالاستقلال على غرار أغلب مستعمراتها في تلك الفترة حتي تسلم الدولة الفلسطينية بما فيها ومن فيها للعصابات الصهيونية.    وكان الشعب الفلسطيني كالحمل الذي ينتظر الذبح مسلوب الإرادة وحق تقرير المصير يراقب عن كثب الوفود اليهودية تحط الرحال في أرضه وعصابات الأرغون وشتيرن والهاجانا تتدرب بهمارة على الإغتيالات والترويع والنهب والسلب تحت غطاء الانتداب البريطاني.
لقد ضاعت فلسطين يوم عشية الخامس عشر من مايو/آيار 1948 عندما تلا الصهيوني دفيد بن غوريون  وثيقة قيام الدولة الاسرائيلية الصهيونية بعد ثمان ساعات من انتهاء الانتداب البريطاني. وقد سلمت بريطانيا بموجبها دولة فلسطين القائمة بمنشآتها ومرافقها بمن فيها ومافيها إلى العصابات الصهيونية، إذ تفيد بعض الاحصائيات أن من بين ماسلمه الجيش البريطاني للعصابات الصهيونية شبكة من السكك الحديدية يبلغ طولها 700 كم و41 محطة قطار وشبكة من 31 مطارا و6000 كم من الطرق المعبدة 37 معسكرا للجيش البريطاني. وقد كان إعلان قيام الدولة الصهيونية إعلانا أيضا لبداية أكبر عملية تطهير للعرق العربي في التاريخ حيث شردت وأحرقت أسر بكاملها كما حدث مع أهالي حيفا ودمرت مدن عن بكرة ابيها وحسب نفس الاحصائيات السابقة فقد دمرت 220 قرية تدميرا شاملا و134 قرية تدميرا جزئيا. وعاث اليهود في أرض أولى القبلتين وثالث الحرمين فسادا ونهبوا وسلبوا وقتلوا وأسروا مالا يحصيه ديوان ووصلت بهم غطرستهم إلى حد أن يأمروا فلسطنيين عزل بحفر قبور تحت تهديد السلاح والاضطجاع فيها ثم يأمروا فلسطينيين آخرين بدفنهم أحياء على أنغام ضحكات أفراد عصابات الهاجانا ... وماخفي أعظم. وصلت أعداد اللاجئين في دول الطوق أساسا (لبنان والاردن وسوريا) إلى 6 ملايين لاجئ وتدخلت الأمم المتحدة على استحياء باستصدار القرار 194 الذي ينص على حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين وقد بقي حبرا على ورق حتي الآن بل وحيكت المؤامرات للألغائه...
لقد ضاعت فلسطين يوم تخاذل العرب عن نصرتها على مر تاريخهم رغم اختلافهم وتعدد حكوماتهم، وحين صارت القضية القلسطينية صهوة يمتطيها من يريد الوصول إلى الحكم لأستعطاف الجماهير العربية والشعوب الإسلامية أو لترويج ايديولوجية سياسية معينة. زعم كل القوميين من ناصريين وبعثيين أن القضية هي همه الأول وأن تحرير الشعب الفلسطيني هو مادفع به إلى خوض السياسة أصلا وأن فلسطين جزء لا يتجزء من الجسم العربي الواحد الذي يتداعى بالسهر والحمى إذا اشتكى منه عضو وأغتر العرب عامة والفلسطيون خاصة بتلك الوعود ردحا من الزمن قبل أن يظهر زيفها بعد حادثة بعث جيش مصري إلى لتحرير الأرض المحتلة بأسلحة فاسدة وبيع هضبة الجولان بموافقة سورية ومباركة مصرية حسب الشهادات الواردة من المشرق. واشتهرت الجامعة العربية ببيانات الشجب والتنديد العقيمة عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية في حين اشتهرت الولايات المتحدة باشهار الفيتو في وجه كل من تسول له نفسه معاقبة اسرائيل. وتوجت الجهود العربية لتحرير فلسطين بهزيمة 1967 و استيلاء إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزّة وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان وإعلان حكومة إسرائيل ضم القدس الشرقية والقرى المجاورة لها إلى إسرائيل عند انتهاء الحرب. ثم  جاء توقيع أول معاهدة لإسرائيل مع دولة عربية تم بموجبها انسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء وجعل سيناء منطقة منزوعة السلاح مقابل اعتراف مصر الكامل بإسرائيل وفتح سفارات في كلا البلدين وإقامة علاقات تجارية وسياحية كاملة بين البلدين...
لقد ضاعت فلسطين عام 2004 عندما اغتيل ابنها البار ياسر عرفات مسموما على يد عملاء الصهاينة في الضفة الغربية وقد أغاظهم تمسكه بحق العودة للاجئيين وحق تقرير المصير وعدم التنازل عن القدس كعاصمة لدولة فلسطين فعمدوا إلى تغييبه عن المشهد وأختيار من يخلفه شرط ان لا يقف حجر عثرة في تقدم مخططاتهم، وقد وفقوا في الاختيار وعندما أحست حركة حماس بالمكيدة وكانت الطريقة الوحيدة لتغييرها هي المشاركة فيها تقدمو بملف ترشح حكومتهم وأختارهم الشعب لقيادته ولكن الأسياد لم يرتضوهم فهمشوهم وعزلوهم في غزة وسموهم جماعة إرهابية.  وعلى مدى ثلاث سنوات ونصف لم تتوقف عمليات الاستيطان ولا تقدم الحفريات تحت جدران المسجد الاقصى وأجتازت المفاوضات الجسر الذي وضعه ياسر عرفات كحد أقصى للتنازل من الجاتب الفلسطيني...
يتبين من خلال هذا العرض التاريخي السريع لأهم محطات القضية الفلسطينية أن تحرير فلسطين لن يكون على يد هذه الطبقة من الحكام والتي مازال بعض من رواسبها يقبع في القصور الرئاسية في دول العربية. ولن يكون على يد من جاء الحكم على ظهر دبابة أو وراء طلقات كلاشنيكوف وإنما على يد من أوصله الشعب إلى الحكم عن رضى وتقاطع في المصالح والتطلعات والثورة هي الوحيدة القادرة على توفير هذا الصنف من الحكام. من المعروف عند المتابع لتطورات القضية الفلسطينية أن الشعوب كانت دائما إلى جانب حق الشعب الفلسطيني في التحرر وتقرير المصير وأن الحكام كانو دائما عملاء للغرب يعطون الضوء الاخضر باجتماعاتهم المتكررة وموافقاتهم الضمنية غالبا والتصريحية أحيانا للعدو الصهيوني في فعل ما يريد فكان لابد أن يأتي ذالك اليوم الذي تشفى فيه هذه العلة من الجسد العربي وتتحد فيه مواقف الحكام والشعوب كما اتحدت لغاتهم ودياناتهم وانسابهم ... وقد كنا على يقين أن الثورة هي من سيأتي بذالك اليوم ولكنا لم نكن نعلم من أين ستبدأ فإذا بها تبدأ من تونس ومصر حيث أتخدت الجامعة مقرا لها وترأسها من يحمل كل من الجنسيتين وكأن القدر أراد أن يبدأ بالإنتقام من الجامعة العربية  لما يعلم من خذلانها للقضية الفلسطينية.    
وقد تجسدت إجابيات الثورة العربية عامة والمصرية خاصة منذ الوهلة الاولى على ارض الواقع وترجمت إلى مواقف وتصريحات "هرمت الشعوب في انتظارها"، فما إن سقط نظام مبارك الخانق حتى تنفس الفلسطينيون الصعداء وانكشف عنهم الغطاء الذي كان على أعينهم فظهر لهم أن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم فسارعو إلى إنهاء الشرخ ورأب الصدع في البيت الفلسطيني أولا وهي خطوة لاتقدر بثمن إذ كانت تخدم إسرائيل أكثر مما يخدمها حلفها مع الولايات المتحدة. وفتح معبر رفح وبدأت مصر تستعيد دورها القومي وتظهر على المشهد العربي بعد أن غيبت عنه أكثر من ثلاثين سنة وكأنها تريد أن تتوب من كبيرة توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل.
وظهر تشابة كبير في طريقة خروج الفلسطينيين لإحياء الذكرى الثالثة والستيين للنكبة وخروج الشعوب العربية لأسقاط حكامهم واتحدت الشعارات عندما ردد اللاجئون الفلسطنيون شعار " الشعب يريد تحرير فلسطين". لاشك أن الفلسطينيين كانو سباقين إلى الثورات بشتى أنواعها ودفعوا في سبيل ذالك ثمنا غاليا و لكن تلك اللمسة الشعبية التونسية المصرية البوعزيزية هي ماجعل أحد مشاهير كتاب الصهاينة يعنون مقاله عن ذكرى النكبة ب "الثورات العربية تطرق أبواب إسرائيل" وهي ماجعلت بنيامين نتنياهو يتلفظ بعبارات لم تكن في قاموسه من قبل عند تعليقه على المظاهرات التي خرجت متحدة البوصلة من سوريا ولبنان والاردن متجهة إلى إسرائيل. وكما تشابهت مواقف الشعوب حين اتحدت قلوبها تشابهت أيضا ردود فعل الجيوش عندما اتحدت مقررات تكوينها العسكري حيث واجه الجيش الصيهوني قلوب الفلسطينيين العارية بالرصاص الحي ـ كعادته ـ فأردى أحد عشر شهيدا في بلدة مارون الراس الحدودية اللبنانية وشهيدان في هضبة الجولان السورية  ...     
وهكذا قد برهن الربيع العربي أن الثورة أنجزت رغم قصر عمرها الذي لايزيد على خمسة أشهر مالم تنجزه الامة العربية بحكامها وجيوشها على مدى ثلاث وستين سنة وأن وضع القضية قبلها قطعا لن يكون هو نفسه بعدها وأن الحق ينتزع ولا يعطى... وأنه :
لايسلم الشرف الرفيع من الأذى       حتى يراق على جوانبه الدم.


dimanche 15 mai 2011

قصة نجاح


 

مقال للكاتب : محمد فاضل ولد محمد يحي ( التراد  (
                                      
كثيرة هي الأقلام التى شرعت للحديث عن الحركة الإسلامية في موريتانيا ، ومتعددة هي المناكفات والمساجلات التى سودت بها صفحات الجرائد وغزت ساحات كل المواقع ، مناكفات ومساجلات من الطبيعي أن تكون بين مؤيد ومعارض ، مدافع ومهاجم ، منصف ومتحامل ، والموضوع هو نفسه القديم الجديد الذي لايبدوا أن هناك بصيص أمل في الإنتهاء منه بل على العكس يظل في (تواصل).
ولأنى لست ممن يتقن فن الكتابة أو ممن يصلح لتلك المناكفات والمساجلات، ولأن قلمى لم يشرع يوما للدفاع عن شخص أو انتقاد آخر، اكتفيت بالتفرج على ذاك الصراع الأبدي واستمتعت بمبارزة فرسان الكلمة ألئك ، حتى وإن تخلى بعضهم عن بعض شيم الفروسية أحيانا وطعن منافسه من الخلف بسهام من الغدر والحسد والتحامل، ولأنى أيضا لاأستطيع أن أنكر أنى كنت أشعر أنى طرف في تلك المعركة لكن بما أن الطرفين إختارا المبارزة والكل يعرف قوانينها فقد كنت على قناعة بقدرة فرسان الإسلاميين على الإنتصار واستغنائهم عن قلمى المتواضع.
لذالك حاولت أن يبقى قلمى كما كان حتى وإن أصابتنى سهام الغدر تلك بوصفى أحد الذين اختاروا الإسلام مرجعية والإصلاح هدفا وتنمية الوطن غاية ، كنت أتجاهل الألم الذى تسببه تلك السهام وأهرع لزيارة ساحات المعركة فأجد فرسان الإسلاميين قد ضمدوا الجراح وردوا تلك السهام إلى نحور أصحابها.
مع كل ذالك قررت أن أكتب لا لأكون طرفا في ذاك السجال ولا لأجارى تلك الأقلام الشامخة التى يشرعها فرسان تواصل ، لكن لإرضاء قلم تمرد على طبيعته واستجابة لعزة نفس كانت ولاتزال تفتخر بانتمائها للصحوة الإسلامية الغراء وأبت إلا أن تكتب قصة نجاحها الميمون.
                                بداية المشوار:
                                                                ليس من السهل أن تبدأ مشوار الألف ميل فى طريق وعر مليئ بأشواك المؤامرات والكيد والدسائس ، فتتهم تارة بالإرهاب و حينا بالعمالة وأحيانا بالتخلف والرجعية ، ويحاصر فكرك، ويُجرم مقتنعوه ، ويُسجن رائدوه، وتقع بين مطرقة حاكم مستبد وسندان شعب مضلل، وفي الوقت الذى يقتنع فيه أعداؤك أنهم أصابوك في مقتل تخرج من تحت الأنقاض لتعيد ترتيب الأوراق ونفض مادنس صورتك من غبار تلك الدسائس والمؤامرات ، ولأن الحياة كما تأخذ تعطى تجد نفسك أمام فرصة تاريخية لم تكن لتأتى دون تلك الدماء التى سالت من بنيك والمظاهرات التى كانوا هم فرسانها وأصحاب الكلمة العلىا فيها ، وبالطبع ولأنك صاحب قضية كان لابد أن تعيد ركوب القطار من جديد حتى وإن كنت مثخنا بالجراح ولاتعرف طريق العبور ولانقطة التوقف، إلا أن قناعتك الراسخة بعدالة قضيتك وإيمانك القوي بنبل مقصدك لم يتركا للتردد مكان فواصلت الرحلة على نفس القطار الذى غدر بك سائقوه بالأمس، وكماكان متوقعا واصلت رحلة الإصلاح رافعا شعار الوسطية ولم يدفعك خلافك مع سائق القطار الجديد- بل وحتى إعلانه الحرب عليك- بالتقاعس أو التردد بل مددت يد العون لركابه الذين صُورت لهم على أنك هادم اللذات ومفرق الجماعات ، ومع أنك كنت تدرك نظرتهم لك ورأيهم فيك فقد عاملتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، فبُهروا بوضوح رؤيتك ونبل غايتك وسمو مقصدك وعظيم صبرك بعد ان أدركوا حجم الظلم الذى وقع عليك ، حتى وإن اضطروا ساعتها لكتمان شعورهم ناحيتك خوفا من بطش سائق القطار الذى لازال يتحكم في مصيرهم والذى كان قد قطع حبل الود بينك وبينه.
                             فك العقدة
                                انتهت تلك الرحلة – بعد أن ترجل سائقها-على خير وكيف لا وقد استطعت أن تثبت رسوخ قدمك وتحجز مساحة ليست بالقليلة في قلوب شعبك واقتنع بمنهجك جل شباب وطنك ممن كانوا قد أضاعوا البوصلة، فكان من الطبيعي بعد كل ذالك أن تعيد طرح نفس الأفكار التى سجن من أجلها بالأمس بنوك وأراد أعداؤها إقصاءك من الرحلة، فحاولت المشاركة في توجيه القطار هذه المرة خصوصا أن سائقه الجديد كان ولأول مرة من بين ركابه ولم يكن يحمل عداءا مسبقا لك ، فأعلنت الإسلام مرجعية وارتأيت أن يكون الإصلاح هو هدف الرحلة والتنمية غايتها ، فاعترف الجميع بك ساعتها كشريك ، سلم لك من اقتنعوا بنهجك زمام أمرهم واحترم لك من خالفك حرصك على مصلحة الجميع ، بل وصل الأمر بقائد الرحلة أن يطلب معونتك فى توجيه القطار إلى الأهداف التى رسمتها أنت حتى وإن كانت لاتزال بعض المطبات في الطريق تعهد لك بالعمل معا لإزالتها، وهكذا سارت الرحلة فى هدوء يبدوا أنه كان بمثابة الهدوء الذى يسبق العاصفة ، ففي غفلة من الجميع قفز سائق قد سحبت "رخصته" على كرسي القيادة وحاول توجيه القطار بمن فيه إلى جهة مجهولة، ولأن الوفاء من أهم خصالك ورفض الظلم سجية من سجاياك وقفت في وجه الوافد الجديد رافضا أن تستمر الرحلة قبل عودة الحق إلى أصحابه، فأدرك السائق الجديد أن قوتك تكمن في حقك فحاول أن يمزج بعض حقك بباطله ليستميلك إلا أنك كنت شوكة في حلقه حتى وإن اعترفت له بالفضل في إزالة أكبر المطبات التى كانت تعكر صفو الرحلة، تداعى الجميع إلى كلمة سواء لعبت دورا أساسيا في صياغتها واتفق الجميع ممن يريد قيادة الرحلة –بعد أن تنازل طواعية قائدها الشرعي- على أن يحكموا الركاب وينزلوا عند حكمهم، فعرضت نفسك كحل مع علمك أن من اقتنعوا بمنهجك لازالوا قلة لكنك تمسكت بحقك في التميز ، أبدى الركاب أراءهم واختلفوا فى كل شيء إلا في شيء واحد هو أنك كنت الأفضل أخلاقا والأوضح منهجا والأعلى كعبا في التسامح والنضج والرزانة ، فلم يكن امامك إلا أن تذعن لرغبتهم وتشد على يد من اختاروه لقيادتهم لقناعتك أن الجميع قد أنهكوا وآن لهم أن يحرزوا بعض الراحة.
حصد الثمار:
ولأن قطار الحياة لايمكن أن يتوقف تواصلت الرحلة بعد أن حدث شرخ كبير بين قائدها الجديد ومن نافسوه بالأمس كنت أنت صلة الوصل بينهم، فاقتنع القائد الجديد بضرورة الإستماع لرأيك واعترف بصعوبة إقصاءك فقرر أن لايعترض طريقك، وهكذا انصرفت لرأب الصدع وردم الهوة بين الإخوة المتخاصمين وفي غمرة انشغالك ، وغفلة من السائق أو تغافل حاول راكب متهور أن يغير سير القطار عن الخط الذى رسمته أنت فانتفض الجميع لردعه حتى وإن استحسن بعض الركاب صنيعه، إلا أن هناك راكبا - ترجل للتو من فوق حصان متعب بعروبته- لم يجد ذاته طوال الرحلة حاول أن ينتهز تلك الفرصة ليقفز إلى الواجهة ، وحينما وجدك أمامه حاملا صخرة المبادئ والقيم والتسامح التى تحطمت عليها أفكاره الإقصائية حاول أن يطعن فى نواياك وأن يؤلب الركاب عليك ناسيا أو متناسيا أنك بفضل راية الوسطية التى رفعتها والقيم الإسلامية التى نشرتها استطعت أن تجمعهم نحوك وتستميلهم إليك، وهكذا واستجابة لنفس بشرية أمارة بالسوء صب جام غضبه عليك وأعلنها حربا شعواء على كل من اقتنع بمشروعك أو أعجب به حتى.
انتهت الرحلة الشاقة أو على الأصح توقف القطار فى محطة من محطات الحياة وأراد سائقه أن يكرمك ويكرم من التحقوا بمشروعك، أو بصورة أدق أراد أن يعطيك بعض حقك وينتفع من الخير الذى يتدفق من منهجك فقرب رمز مشروعك ورائده وأعطى بعض الحرية لرجال فكرك ومعتنقيه وتوج كل ذالك باستضافة رمز أخذ من معينك حتى ارتوى وكان القدوة الحسنة لكل من يؤمن بك كفكرة ويتبناك كمشروع، فلم يكن بالإمكان بعد كل ذالك إلا أن ترتسم تلك اللوحة التى زينت بالتكبير والتهليل وزخرفت برجال أمن يحرسون إخوان مسلمين. 
قصة نجاح كهذه  لابدان توقظ بعض مشاعر الكراهية عند أصحاب أقلام مريضة لم يجنى أصحابها سوى الفشل فتولدت عندهم عقدة من كل نجاح فأحرى أن تكون قصة النجاح تلك هي قصتك أنت، أنت أيها المشروع الإسلامي الذى أثبتت أنك الأصلح للبلاد والعباد.
فلكل من اختارك منهجا أنصح أن يبقى معك في( تواصل)
ولكل من فضل إعلان الحرب عليك أقول له أنه جانب ( الصواب)
انواكشوط بتاريخ  
22/05/2010



  

samedi 14 mai 2011

*للشعب لا عن تواصل


  مقال للكاتب : اكناتة ولد النقره
ليست هذه السطور دفاعا عن بعض مواقف التجمع الوطني للإصلاح والنتمية "تواصل" أو تبريرا لها أو تسويقا لبعض خياراته السابقة أو الراهنة أو تعبيرا بالضرورة عن رأي المؤسسة القيادية داخله بقدر ماهي توضيح " وبيان ماكان ليتخلف عن وقت الحاجة إليه".

مخاض الولادة:

كان عسيرا على حزب لم يتخلق في رحم السلطة ولم يرضع من لبانها ولم يحظ بالعناية المركزة اللازمة رغم الأعراض الجانبية الكثيرة ومحاولات الإجهاض.

ومع ذلك تمت الولادة وخرج المولود" تماما غير خداج " وحصل الحزب على الإعتماد القانوني الضروري للعمل "كتجمع سياسي مدني " في الثالث من أغسطس 2007 بعدما حرم منه طوال العقدين الماضيين .

صحيح أن الرئيس المنقلب عليه سيد محمد ولد الشيخ عبد الله هو من حاز شرف منح تواصل ذلك الإعتماد، ولكن ليس صحيحا أنه تم في إطار صفقة سياسية سرية لموادعة نظامه كان من استحقاقاتها المشاركة في الحكومة التي شكلها وزيره الأول السابق يحي ولد أحمد الواقف في مايو 2008.

فالحزب لم يستجد الإعتراف من أحد ولم يكن ليقبل المساومة أولابتزاز أو يقايض الترخيص له بأي ثمن!

وحين اتخذ الرئيس المقال سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله القرار الحاسم بمنح المشروعية القانونية للحزب كحق دستوري مكفول لأصحابه كان على وعي تام وإدارك بتجذر الشرعية التاريخية إلى جانب الجماهيرية لهذا الحزب أيضا .

وما كان يسعه أن ينسى أو يتجاهل أن أغلب القيادات والكوادر المشكلة للحزب الجديد كانت بمثابة الوقود المدني الأساسي الذي أسعر أوّار الانتفاضة السلمية للنخبة ضد النظام "الأوتوقراطي" لمعاوية ولد الطايع والتي يلغت ذروتها ربيع 2003 حين أصبح المنبر المسجدي وما يمثله من قدسية إلى جانب رمزية حرية الكلمة خط الدفاع الأول عن الحقوق المدنية للمواطنين في مواجهة سياسة القمع وتكميم الأفواه التي انتهجها النظام إبان ذاك حيث زج بالمئات من خطباء المساجد إلى جا نب العلماء والسياسيين والأحرار في سجونه وفي الوقت الذي ترجل فيه كثيرون ممن كنا نعدهم من فرسان الكلمة وسدنة اليراع ظل هؤلاء يُـمَسّكون بالحرية ويكتوون بجمرها المتلمظ ويضحون في سبيلها بلا توان .

هذا النفس النضالي العالي الذي بقى محافظا على زخمه حتى آخر يوم في حياة النظام كان حاضرا في حسابات الترخيص مثلما كان الحضور الجماهيري ماثلا عقب استحقاقات 2006التي خاضها انصار الحزب تحت ياقظة "الإصلاحيين الوسطيين" وحازوا خلالها ثقة قطاعات مجتمعية واسعة في مختلف مناطق البلاد والتي لم يتح للكثير منها –جراء المنع السياسي - فرصة التعرف أكثر على المشروع السياسي والمجتمعي للإصلاحيين إذا ما استثنينا فترة الحملات الإنتخابية القصيرة.

هذا الانتشار الجماهيري الأفقي للحزب لم يكن ليحجب امتدادات أخرى ذات طبيعة رأسية أو عمودية هذه المرة في صفوف "الانتليجسيا" إذا ما أخذنا في الإعتبار الحضور القوي له داخل الأطر النقابية ومنظمات المجتمع المدني ككل كمؤشر دال في هذا النطاق وهو ما تعكسه مجالس الإتحادات المهنية لأساتذة التعليم العالي وطلبته وأساتذة التعليم الثانوي وغيرها من الاتحادات المهنية الوازنة. هذه المعطيات السياسية الشاهدة كانت ماثلة وبقوة في مخيلة "صاحب القرار السياسي الأول" وهو يمنح الحزب الاعتماد القانوني للعمل السياسي رغم لعبة" المراغبة والمراهبة" التي حاولت بعض القوى المحلية والأجنبية المناوئة تقليديا لعبها بخبث مع الرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله وهو مارفض الرضوخ له بالطبع.

ولعلّ ما نسيه الرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله هو أن ورثة "الإصلاحيين الوسطيين" لم يصوتوا لصالحه وفضّلوا دعم غريمه أحمد ولد داداه خلال شوط الإعادة الثاني رغم الضغوط الشديدة التي مارسها عليهم المجلس العسكري من أجل مؤازرته؛ غير أن الرجل كان شهماً ومتسامحاً، ولم يكن من أخلاقه التشفي أو الانتقام على الأقل بهذا الخصوص.

مـــــن الجماعـــــة إلى الحـــــزب

تابع بعض المراقبين بحذر مسار التحول السياسي للفصيل الإسلامي الرئيس من مرحلة الجماعة الدعوية التربوية والتي ظلت تتعاطى مع الشأن العام في أغلب الأحيان بخطاب سياسي مشوب العاطفة دينيا ، إلى مرحلة الحزب السياسي الواقعي الذي أصبح يعتبر السياسة "جهاده" المدني ويقبل بالديمقراطية منهجا لتنظيم الحياة السياسية ولا يرى تعارضا بينهما وبين روح الشورى.

جاء ذلك التحول سلسا وسريعا وعكس قدرا كبيرا من الإنسجام الفكري والإنضباط داخل هياكل الجماعة - الحزب ، فلم تعرف انشقاقات أو صراع مراكز قوى على المواقع القيادية المتصدرة كما توقع البعض ، فيما صاحبت مسار التحول اسئلة "الإيديولوجيا " التقليدية المتعلقة بالهوية الفكرية والإنتساب المدرسي ووجهة الخط السياسي للحزب الوليد ، فهل كان الحزب الجديد حركة دينية محضة تعبر عن نفسها في شكل مواقف سياسية أم تعبير سياسي محض بمسحة دينية؟ هل هو حزب مدني لمواطنين متدينين أم لا يعدو كونه حزبا تقليديا ذا نفس إسلامي؟ ..

لقد حسم "تواصل" ومنذ البداية جدلية الإنتماء والهوية حازا على مفصل المرجعية الإسلامية وهو التنصيص الذي يبرره رئيس الحزب الأستاذ: محمد جميل ولد منصور بقوله:

"وقد يبدوا إبراز المرجعية الإسلامية في بلد ينعت جمهوريته بالإسلامية ويعتبر أحكام الدين الإسلامي المصدر الوحيد للقانون ويصرح بأن دين الشعب والدولة هو الإسلام ، تحصيل حاصل وحديثا في المسلم به .... ولكنه ليس كذلك إنه وضوح في النسب الفكري وتأكيد على إختيار وطني ضمنه الناس في أهم وثيقة قانونية للبلاد ( الدستور ) ... وتعزيزا لهذا الإختيار وإعلان صريح لتبنيه والاستعداد للدفاع عنه على كل الجبهات الفكرية والسياسية"1.[2]

والمرجعية لم تتحول في يد تواصل إلى "حق إلهي مكتسب" يضفي صبغة القدسية على مواقفه واجتهاداته السياسية فيعصمها من الخطإ ويزكيها فوق النقد، ولم يسع إلى توظيفها كسلاح ايدولوجي لشيطنة خصومه ووصمهم "بالهرطقة السياسية" ولم يوزع عليهم صكوك حرمان بابوية ولم يصك فتاوى في تزكية مرشحيه أو صكوك غفران لمن صوتوا لصالحهم .

لقد نظر تواصل إلى المرجعية على الدوام باعتبارها "حقيقة كلية "لا يمكن لأي كان ان يدعي تجيـيرها بالمطلق وهي دون ذلك في عرفه "مشاع مشترك" يتحامى عن أن يستأثر به هذا الفصيل أو ذاك مهما كان منطلقه وسند شرعيته .

لقد تجاوز الخطاب السياسي لتواصل مرحلة الإنفعال بالواقع ـ والاشتباك الفكري مع الأنظمة المتأسلمة حول أحقية "التمثيل الرسمي للإسلام" في معارك مفتوحة بلا قواعد أو تقاليد يحاول كل طرف فيها توظيف ما يمتلك من أسلحة ضرب إيديولوجي إلى ابعد مدى – إلى التفاعل معه ومحاولة التأثير فيه عبر بناء علاقة جدلية خلاقة تتجاوز المقولات الإختزالية ذات الطابع المطلق والمحلق والتي استمرأتها بعض القوى والتيارات في أمور هي بطبيعتها نسبية واجتهادية، إذ لا ريب أن التعامل مع المطلق مريح للنفس في سياق الخطاب بين المتحدث والمتلقي ولكن المحك الحقيقي الذي يمتحن جدية البرامج وصدقية وعودها يبقى في الترجل إلى الميدان والتعامل مع الواقع بمشاكله وتعقيداته وتفكيك مفرداته سبيلا إلى اكتشاف الحلول وطرح البدائل عبر حشد الإمكانات وتفجير الطاقات وهي بالأساس مهمة السلطة الممسكة بزمام الأمور في الوقت الراهن لا تواصل ، فليس مطلوبا من هذا الأخير وهو يجلس على مقاعد المعارضة تقديم وصفات علاجية لمشكلات اقتصادية واجتماعية أفرزتها الممارسة السياسية الخاطئة للسلطة الحاكمة أو غيرها. المطلوب من تواصل إلى جانب توضيح تصوره السياسي ورسم خطوطه العريضة مناصحة السلطة وتنبيهها إلى مواقع الخلل ومكامن الخطر ، وهو ماظل يفعله دون كلل طوال الفترة الماضية حيث أصدر قبل شهرين وثيقة سياسية عنونها بـ"إصلاح قبل فوات الأوان" استقطبت اهتمام أغلب الفرقاء في الساحة السياسية ، وقد حثت السلطة على القيام بإصلاح جذري يتسم بالجدية والمصداقية لتفادي انزلاق البلاد نحو مزيد من الأزمات وتدهور الأوضاع المعيشية والأمنية والإجتماعية والإقتصادية ، وهي الدعوة التي يبدوا أن النظام قابلها بالتصامم لحد الآن.

بيـــن السلطـــة والمعارضــــة

وقف تواصل طوال الفترة الماضية كالشارة الفارقة خرج على الجبهة وإجماعها وتخلف عن البيعة مع الأغلبية رغم إقراره بمقتضاها، تأخر عن الانضمام إلي المنسقية ولم تتقدم هي إليه، لم يرتح "لنظارة المعارضة السوداء ولا "لقفازات الأغلبية المخملية" وأسمي خطه ذاك "معارضة ناصحة" بعض خصومه من المعارضة اعتبروها محاولة خجولة للعب دور "عراب النظام" "ومناوءوه في الأغلبية عملوا جاهدين لحرمانه من ذاك الدور المفترض، ومن عامة الناس عديدون لم يستوعبوا موقفه ذلك فتوقفوا فيه.

أما رأس السلطة "فكان فيه من الزاهدين "إذاعدد معارضيه أغفل ذكره وإذا استعرض أغلبيته أهمل شأنه ،هي إذا ضريبة الموقف في معترك سياسي ملتبس لم يتعود جمهوره علي غير المواقف الحدية من ساسته وفي هذا السياق لم يكن خط المعارضة الناصحة الذي تبناه الحزب "حذلقة لفظية" أو "أحجية تواصلية" أو "بالون اختبار سياسي" لجس نيات السلطة ولكنه مثل توصيفا دقيقا لتوجهات حقيقية وقناعات راسخة لدي تواصل بأهمية الخروج من الحلقة الساسية المفرغة التي ظلت تأطر العلاقة المأزومة بين طرفي المعادلة السياسية المحلية (سلطة ومعارضة)إلي فضاء وطني أرحب سعيا إلي بلورة إجماع سياسي يخاطب جذور" المسألةالوطنية"علي إختلاف تشعباتها بعيدا عن الحسابات الضيقة لهذا الطرف السياسي أوذاك .

لقد ظل "الهم الوطني" الشاغل والمحرك الأساسي لكل المساعي والمبادرات السياسية التي طبعت تحركات الحزب طوال الفترة الماضية ولم يكن يهمه بعد ذالك أن ينعت بمحاولة تسويق السلطة تارة أوقلب طاولة"الروليت"علي المعارضة تارة أخري .

خط المعارضة الناصحة هو الذي حمل تواصل علي منح إعتراف وصف بالثمين بنتائج الإستحقاق الرئاسي الأخير دون إنتظار الثمن السياسي وهو الذي دفعه كذلك إلي تثمين بعض الخطوات الإيجابية التي أقدمت عليها السلطة في حينه فالأداء الحكومي في نظره ليس شرا مطلقا مثلما أنه ليس خيرا كذلك.

هو سبيل وسط يتوسل النصح بين طغيان السلطة وإخسار المعارضة والإنصاف بين بطر الأولي وغمط الثانية ويقف علي القسط بين شطط هذه ووكس تلك ، وهو ذات الخط الذي دعا الحزب للقبول بالمشاركة السياسية في حكومة الوزير الأول السابق يحي ولد أحمد الواقف، المشكلة في ظل نظام الرئيس المنقلب عليه سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بعد عقود من حكم" العسكرتيريا" المتدثرة بزي مدني وقد شعر تواصل إلي جانب بعض القوي السياسية التي قبلت بالمشاركة معه بحرج سياسي وأخلاقي كبيرين وهو يرفض اليد الممتدة إليه والمستنجدة كذلك للمشاركة في جهود الإصلاح السياسي وإنضاج التجربة الديمقراطية الوليدة وحمايتها من سطوة العسكر المتربص الذي استخدم وقتها بعض المجموعات السياسية الوصولية كحذاء مدني ناعم للدوس علي ما تبقى من "حلم شعب بائس في غد أفضل" حيث سعت للتآمرعلي الرئيس المنتخب كمقدمة سياسية لانقلاب العسكر عليه ولم تكن "عين المحلل " في تواصل لتخطئ نذر الإحتضار السياسي للنظام، ومع ذلك قرر المشاركة ـ ولا أقول الشراكة ـ في الحكومة المشكلة للاعتبارات المبدئية السابقة إضافة إلي الحاجة السياسية لطمأنة الساحة إلي سلمية ومدنية مشروعه السياسي والمجتمعي عبر الإنخراط الفاعل في االعملية السياسية والإستعداد لتحمل تبعاتها المختلفة فقد أخذ البعض علي الحزب القبول بالمشاركة في حكومة مطبعة مع الكيان الصهيوني وتضم في صفوفها وجوها مدموغة بالفساد السياسي والمالي مع تضاؤل فرص الإصلاح المتاحة أمامه في ضوء محدودية وهامشية الحقائب المسندة إليه في الحكومة المذكورة .

وهنا يبرز مفهوم سياسي آخر اجترحه تواصل وتجاوز به مرحلة السياقات النظرية ليجسده في الواقع السياسي سلوكا وممارسة أعني "خط المشاركة الناقدة "في مقابل "المعارضة الناصحة"والذي سمح للحزب بأخذ مسافة محسوبة من الأداء الحكومي نصحا وتصحيحا أحيانا وانتقادا أوتحفظا في أحيان أخري ،وقد برزت تجليات ذلك الخط في عنوانين هامين أولهما الإنتقاد الصريح لإستمرار العلاقة الآثمة مع الكيان الصهيوني والدعوة المستمرة إلي القطيعة معه وترحيل سفيره وهو الموقف الناقد الذي شددت عليه بيانات الحزب خلال تلك الفترة تجاهلا لموقف الحكومة الرسمي بهذا الخصوص.

والعنوان الثاني :هو الإضراب القوي والناجح الذي أربك جزءا كبيرا من المنظومة التربوية الرسمية في حكومة ولد الواقف،وهو الإضراب الذي قادته النقابة المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي والمحسوبة علي الحزب حين رفض التدخل رغم الضغوط الشديدة الممارسة عليه من قبل الحكومة لإنهاء الإضراب ونأى بنفسه بعيدا تاركا الإضراب يأخذ أبعد مدياته احتراما لإرادة تلك الشريحة المهنية الهامة.

إضافة إلى مواقف ناقدة أخرى للأداء الحكومي قد يضيق المقام عن استطرادها.

من الممكن أن يكون تواصل قد أخطأ "تقدير الموقف" فيما يتعلق بتلك المشاركة التي لم تعمر طويلا وهذا ما يجب أن نترك الحكم فيه للتاريخ وحده غير أن وجوده خارج الحكومة وجلوسه على مقاعد المعارضين للنظام مجددا لم يمنعه من ان يصبح لاحقا في مقدمة المنددين بمن انقلبوا عليه وعلى الشرعية الدستورية التي يمثلها ليتحمل جراء ذلك من أوزار النظام المطاح به ما لم يغنم عشره من تركة تابوته المحمول.

استحقاقات المرحلة

ما من سبيل أمام تواصل القريب دوما من نبض الجماهير- وقد أيس من جدية الإصلاح الذي وعدت به السلطة– سوى الانحياز إلى صفوفها وتبني مطالبها المشروعة في التغيير في لحظة سياسية لا تحتمل الكثير من التأويل وهي الجماهير التي مجت الخطابات الشعبوية المحنطة للسلطة ووعودها المجوفة ببناء "مدينة الفقراء الفاضلة" والتي تحولت إلى ما يشبه "حكايا أمنيات طيبة" أصبحت مثارَ تندُّرِ العامة في مجالسها الخاصة أكثر منها برامج عملية مدروسة تستند إلى حقائق ومعطيات اقتصادية ملموسة، علاوة على الكادر البشري الكفؤ النظيف الأيدي الذي ستوكل إليه مهمة إنجاز البرامج وتجسيدها واقعا معيشاً.

لقد غاب عن النظام وهو يرفع شعارات أكبر منه أن "السياسة هي فن العمل في إطار الممكن"،فمن السهل في حمى التنافس الإنتخابي دغدغة مشاعر الجماهير المتشوفة لمخلص منتظر وبيعها آمال زائفة في "بازار" المزايدات الانتخابية والنفث لها بإستمرار في عقد الفساد وتفريعاتها المختلفة حتى إذا انسحرت بها زمنا إذا بها تفيق على حقيقة أن النظام لا يمتلك أي رأسمال سياسي أو خبرة ناجزة تؤهله لتدبير المرحلة بمفرده ، فيما بدأ يلفظ احشاءه كمظهر عرضي لحمى التآكل الداخلي وصراع الأجنحة بين "كبار الديكة الداجنة" "والكتاكيت المعدلة وراثيا" وهي تنفش ريشها بعد الانتهاء من تمارينها التسخينية الأولى استعدادا لاقتحام حلبة "العصر" أو "عصر الحلبات" ( مع حفظ الأسماء والألقاب والصفات ) في حركة التفافية من النظام للهروب إلى الأمام من استحقاقات المرحلة أملا في امتصاص الحركات الإحتجاجية للشارع والتي بات الشباب عنوانها الأبرز في أكثر من قطر عربي ومنها بلادنا بالطبع.

والمتسائل عن موقف تواصل وسط زخم هذه المتغيرات هو في تقديري الشخصي يقف على ذات الأرضية المشتركة مع المعارضة الديمقراطية الساعية إلى الإصلاح سبيلا إلى التغيير والإصلاح هنا نعني به أن الحزب يطرح ما يرى من داخل النظام السياسي القائم وليس من خارجه ، بمعنى أنه يعتمد أساليب العمل السياسي التي تتيحها الآليات الدستورية والأطر القانونية المعمول بها وينبذ ما سوى ذلك من أساليب غير ديمقراطية في التغيير كالانقلابات وعسكرة الشارع وتهييج المشاعر العامة والتكفير السياسي ....

وهي المواقف الإصلاحية التي فصلتها بوضوح وثيقته السياسية الهامة " إصلاح قبل فوات الأوان " وحيث شكلت السقف الأعلى لما أعتقد الحزب أنها مطالب الغالبية من عامة الشعب إلى جانب النخبة السياسية المستنيرة.

لقد بات الإصلاح الشامل مطلبا ملحا اليوم وأكثر من أي وقت مضى لدى قطاعات عريضة من فئات المجتمع، ولم يعد مقبولا من النظام مواجهته بخطابات ديما غوجية مفوِّتة تستخف بعقول المواطنين وتقصي الشركاء السياسيين وتدير البلد بمنطق "ما أريكم إلا ما أرى" فيما بات الوطن مستهدفا في سلمه الأهلي قبل الإقتصادي والأمني بتعدد الرايات وكثرة المتاجرين بها والمضاربين في سوق "الفتنة الطائفية والثقافية" من القوى المشبوهة التي تضرب تارة بإسم العربية في مواجهة الفرانكفونية وطورا بإسم الزنوجة في مقابل العروبة ، تصب زيت الكراهية بيد وتشعل نار الفرقة باليد الأخرى وما أحداث الجامعة الأخيرة منا ببعيد، حيث سعت تلك العناصر المشبوهة لتوريط الفصيل الطلابي الرئيس - والمحسوب ايدولوجيا على تواصل- فيها، ليكون طرفا في المشكل القائم وليس جزءا من الحل المفترض وهو مسعى فاشل على أي حال فلن يكون "تواصل" أو أي من أنصاره جزءا من مشروع طائفي ولن يستند إلى الطرح الطائفي أو يتعاطى مفرداته أو ينهل شرعيته المجتمعية منه كما يفعل البعض، فقد تأسس "تواصل"على كل ما يناقض ذلك الطرح ويضاده مركزيا فهو لم يكن يوما حزب طائفة أو فئة أو ممثلا لمصالح طبقة أو حتى أرومة إنه حزب كل الموريتانيين على اختلاف فئاتهم وطوائفهم وطبقاتهم وجهاتهم الوحدة الوطنية إحدى منطلقاته الثلاث فإذا جمع الجموع أو حشد الحشود فلن تكون خلف راية غير رايتها.

                                                                                                                     
[1]*هو بيان للشعب لا دفاعٌ عن تواصل.

1ـ فقرة من خطاب رئيس الحزب الذي القاه في المؤتمر الوطني الأول للحزب واالمنعقد في يونيو 2008[2] .
الخميس, 12 مايو 2011 13:06



lundi 9 mai 2011

حفل "سيزام" الثقافي .. وتجسيد التبعية .. !


"حظيت" يوم  الأمس بأن كنت من بين من حضر فعاليات الحفل الثقافي الذي تنظمه كونفدرالية الطلبة والمتدربين الأفارقة بالمغرب سنويا للتعريف بالثقافة الإفريقية. الكونفدرالية والمعروفة أختصارا ب (سيزام) كانت على موعد يومها مع حفلها السنوي العاشر في قاعة سينما آمبير في فاس حيث حضر ممثلون من الطلبة من مختلف الجنسيات لتمثيل مايزيد على ثلاثين دولة إفريقية من بينها موريتانيا.
ولا أخفيكم سرا أني رغبت في حضور تلك الفعاليات للتعرف عن كثب على نقاط تقاطع الثقافات الافريقية وقد حرمت تلك "الفرصة" العام الماضي بسبب خلافات بين أعضاء المكتب التنفيدي للكنفدرالية حالت دون تنظيم الحفل، ولأنه كذالك يخدم تخصصي الأكادمي "تقاطع الدراسات الثقافية والأدبية،" ويعد زيادة على ذالك من الفرص النادرة التي يلتقي فيها الطلبة الموريتانيون من مختلف أحياء مدينة فاس فيتبادلون التحايا... ولكنى لا أخفيكم أيضا أني غيرت رأيي بعد الخروج من الحفل قبل اكتماله وأنا من كان يدافع عن الأفارقة في حوار جمعني وبعض الطلبة عشية تنظيم التظاهرة. 
خرجت من الحفل وقد إلتبست علي المفاهيم والمصطلحات فمفهوم الثقافة مثلا لم يعد يقصد به  ـ على اختلاف تعريفاته ـ طريقة فهم الحياة، وكيفية تنظيمها، وأساليب العيش فيها، والتي تميز مجتمعاً معيناً عن غيره من المجتمعات، وتعطيه وجهه الأصيل، ومن ثم شخصيته، بل الثقافة أصبحت باختصار هي الرقص الإباحي والخلاعة و العري. فبدل الاستمتاع بعروض مشوقة تجسد ثراء الثقافة الإفريقية أو التعرف على المميزات الخاصة بكل ثقافة من ثقافات دول القارة السمراء والمماليك السودانية التي تأسست على مر التاريخ مخلفة وراءها إرثا إنسانيا أحوج مايكون إلى نفض الغبار عنه وإنقاذه من غياهب النسيان...  يجد الحاضر نفسه أمام مباراة في الرقص الإباحي تخدش الأعراف الانسانية قبل المبادئ والتعاليم الدينية في تجسيد صارخ للتبعية العمياء الغرب وحقيقة وجود المستعمر بيننا حتى بعد نصف قرن من استقلال أغلبيه البلدان الافريقية..
وقد ساورتني شكوك أن هذا المشروع ما أمم إلا لذالك، فسيزام هي اختصار للترجمة الفرنسية لاسم كونفدرالية الطلبة والمتدربين الأفارقة في المغرب وقد بدأت فكرة إنشاءها منذ ثمانينات القرن الماضي ـ كما وشى لي ملحق مكتبها الثقافي ـ واعتُرف بها رسميا في المغرب حوالي  2001 ومنذ ذالك التاريخ وهي تنطم سنويا هذا الحفل ذائع الصيت ودوري كرة قدم بين مختلف الفرق الافريقية، وقد تتعرقل هذه الأنشطة لسبب داخلي كما حدث العام الماضي. يتولى رئاسة الكونفدرالية عرفا الدولة الأكثر جالية في المدينة ولذالك تترأسها جزر القمر هذا العام في فاس.
ورغم أن الحفل ـ فيما يبدو للناس ـ حفل ثقافي للتعريف بمختلف الثقافات الإفريقية وليلتقي فيه الطلبة الأفارقة من مختلف الجنسيات لتدارس أمورهم الرئيسية كمسألة أوراق الإقامة مثلا، إلا أنه في الحقيقة كان حفلا راقصا ماجنا لايمثل افريقيا ولايمت لثقافتها بصلة، فما عرض على المنصة لم يكن افريقيا منه ـ خلا مداخلة موريتانيا ـ إلا الشخوص التي قامت بتمثيل أدواره أواسماء الدول التي مثلوها أو أعلامها.  ولم تزد مداخلات الدول الإفريقية رغم كثرتها واختلاف اسمائها على الرقص وعرض الأزياء وكأن المشرفين على الحفل ارادو ان يفندو حقيقة ثراء الثقافة الافريقية والتعددية التي وسمتها على مر العصور والأدهى من ذالك والأمر أن اعضاء الفرق الراقصة والعارضة للأزياء هم خيرة ونخبة بلدانهم.
أما فيما يتعلق بالمداخلة التي مثلت موريتانيا ـ مع تحفظنا على جزءها الأخير ـ فقد كانت عموما على المستوى وقد بذل القائمون عليها جهدهم في تمثيل بلدهم وخدمة قارتهم. إذ كانت عبارة عن اسكتش مسرحي حيث أحد البيض يعاني من نقص في كمية الدم في جسمه فيتبرع له أحد الزنوج بروح أخوية متجاوزة كل الاعتبارات، ولكن المريض يرفض فتتدخل عندها شخصية الوحدة الافريقية لتتسامى بفكريهما لتجاوز الإعتبارات الضيقة والتفكير في النقاط التي تجمعهما كالدين والهوية والثقافة .... ليتصافح عندها البيضاني والزنجي مجسدين الوحدة الإفريقية. كانت المشاركة الموريتانية هي الوحيدة التي سمعنا فيها عبارات من قبيل إفريقيا و الوحدة والأخوة والدين والتسامح ...ولكن "لمرابط وإكيو ماهم أصحاب" كما يقال.
ولا تتوقعوا مني أن ألخص لكم فحوى باقي المشاركات إذ لم تزد ـ كلها بلا استثناء ـ على الرقص الغربي شكلا ومضمونا. وقد يتساءل الشخص وله الحق في ذالك متى كان الراب والجاز والهيب هوب مظاهرا للثقافة الإفريقية ومتى كان عرض الأزياء معلما على ثقافة إنسانية أيا كانت. ووالله لقد تذكرت الآية  "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير " فهذا والله هو سبب تخلف قارة إفريقيا وبقاءها في ذيل الأمم رغم قدمها... إن قارة لاتحسن نخبتهما إلا الرقص لقمينة ان يكبر عليها أربعا.
أما وقد إتضح أن حفل سيزام مجرد شعارات وفعاليات مسمات بغير اسماءها فإنا نطالب اتحادات الطلبة والمتدربين بالمغرب عامة وبفاس خاصة مقاطعته حرصا على سمعة شنقيط التي اشتهرت بها في الآفاق. ماذا يستفيد ـ بربكم ـ الوطن من المشاركة في مهرجان الرقص فيه هو الثقافة وعرض الأجسام فيه هو عرض الأزياء والغرب فيه أكثر حضورا من الشرق ...  تلكم هي "سيزام" وحفلها الثقافي وتجسيدهما للتبعية العمياء للغرب.  

dimanche 8 mai 2011

أحداث الجامعة ... وشموخ "الوطني


شهدت الساحة الجامعية يوم الاربعاء اثناء انتخابات التمثيل الطلابي في مجالس الكليات ومجلس إدارة الجامعة مايمكن ان يوصف بالمأساة. حيث انهال بعض الطلبة على إخوته ضربا بالعصي والحجارة وقضبان الحديد والكراسي في حادثة تذكر بموقعة الجمل في ساحة التحرير اثناء الثورة المصرية.

وهيمن التفسير الفكري والتأويل الايديولوجي منذ البداية على التصريحات الواردة من عين المكان : الافارقة الزنوج و القوميون العرب يعتدون على الاسلاميين بإحراق احد مكاتبهم بشكل تام وضرب انصارهم مما اسفر عن إصابات وصلت إلى حد تكسير الاسنان. تثير هذه الاحداث في الاذهان العديد من الاسئلة التي تحتاج إلى اكثر من قراءة للواقع الفكري الموريتاني وعلاقته بالواقع السياسي،فمن السذاجة تبرئة اليد السياسية الخفية والفاعلة مما يدور اليوم في المرافق التعليمية. إضافة إلى أن المشهد الجامعي والطلابي لايعدو كونه صورة مصغرة للمشهد السياسي المحتقن هذه الايام.

يعتبر المسؤول الأول والأخير عن هذه الأحداث هو الحكومة ممثلة في "رئيس الفقراء" الذي أعطى بمواقفه وتصريحاته الضوء الاخضر "لبلطجية" التيارات الفكرية في الجامعة للتطاول على القمم الشامخة المتمثلة فيمن يحملون الفكر الملتزم .. والمسؤول .. الفكر الاسلامي. وليسمح لي الاخوة في النقابة الوطنية لطلاب موريتانيا والضالعين من الاتحادات والنقابات الأخرى في الاعتداءات بتسميتهم "بالبلطجية" فلم تدع لي تصرفاتهم حرية الاختيار. فعندما تحمل أعمدة الحديد والحجارة وبقايا الاسمنت لتوجهها إلى وجه أخ لك في النضال وكان من المفروض لولا السياسة، أن تتقاسما نفس الهموم والطموحات، فاسمح لي أن أطلق عليك "بلطجي". عندما تحركك أياد خفية وتستجيب لغرض في نفسك أو لحظوة دنيوية قد تنالها متجاهلا مصالح السواد الاعظم من طلبة الجامعة المناضلين والاحرار... فاسمح لي أن اسميك "بلطجي".

واسمحوا لي أيها القراء قبل مواصلة المقال أن العن السياسة والحياة كلها إن لم يقدها تعقل وموضوعية وإيثارللمبادئ على المصالح. إن ماجمع القوميين والزنوج أو القومية والعنصرية في صف واحد ضد الاسلاميين لقمين أن يجمع الطلبة بمختلف اطيافهم صفا واحدا ضد المخطط الممنهج الساعي الى الهيمنة على الجامعة بما فيها ومن فيها، مع مافي ذالك من قدسية النضال ونبل المهمة. وبالعودة إلى أحداث الاربعاء الدامي كما اصبح يطلق عليه فإن قراء سريعة للسياق العام الذي وقعت فيه قد تساعدنا على فهمها اكثر.

أما فيما يتعلق بالقوميين فتصدق فيهم مقولة الفضيل بن عياض "ارحمو عزيز قوم ذل" فقد حضر رمزهم أجلُه وهو الآن يحتضر في باب العزيزية وما أرى مصيره إلا أسوأ من مصير سابقيه إن شاء الله. وقد أستغلت تلك الايادي الخفية وبدافع هذه النقطة بالذات بعض الطلبة الذين يظهرون تعاطفا تجاه نفس الفكر لتأليبهم ضد إخوتهم في النضال و شاي مقاهي الكليات وفي معاناة الطوابير أمام المطعم الجامعي وأيام صرف المنح... وليحققو بذالك إحدى تجليات معارضتهم للاسلاميين.

كذالك أستُغل إخوة لنا آخرون من طرف فاعلين همهم الوحيد هو زرع الفرقة في المجتمع الموريتاني والمتاجرة ببعض القضايا الرابحة اليوم عالميا وملئ جيوبهم بريعها في حين لايجد الطالب المسكين في جامعة العذاب والهموم الانسانية أيا كان لونه أو فكره من يؤمن له أي حق من حقوقه كالنقل مثلا، ولاينبئك مثل خبير.

أليس من العدل والانصاف احترام اختيار الغالبية من طلاب الجامعة الذي عبروا عنه من خلال صناديق الاقتراع والتي تعد من أهم مظاهر الشفافية؟ وهل تكفي ملاحظتان في مكتبين فقط من أصل ستة عشر مكتبا لأحراق الممتلكات العامة والاعتداء على الافراد إلى درجة أن ينقل بعضهم فورا إلى المستشفيات؟ خاصة وأن لجنة يرأسها نائب عميد كلية الآداب شكلت لتسوية الوضع.

والحق يقال إن مواقف الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا ممثلا في أمينه العام محمد سالم ولد عابدين لتنبأ عن صواب اختيار الطلاب لمن ارتبطت اسماؤهم في أذهان الاجيال المتعاقبة على تلك الجامعة بالنضال وارتسمت صورهم في اللاوعي الطلابي وهم على المنابر ينددون أيام المحن والشدائد وأمتلأت قواميسهم اليومية بعبارات من قبيل تعميم المنحة على جميع الطلاب وتوفير النقل وتحسين الخدمات الجماعية ...

أما إن كان مايجمع القوم هو بغض الاسلاميين لاغير، فإننا ننصحهم:

ياناطح الجبل العالي ليوهنه اشفق على الرأس لاتشفق على الجبل

فالطالب الموريتاني المثقف والملتزم والمعتز بانتمائه لن يختار إلا من يحافظ له على مبادئه وهويته ولن يصوت إلا لمن أثبت من خلال التجربة جدارته لأهلية تلك المسؤولية ولا أدل على ذالك من فوز الاتحاد الوطني الكاسح في كلية الطب على خصومه الذين وافق ما صدر منهم ظن الطالب الموريتاني في عدم الأهلية لتمثيل خمسة عشر الف طالب في الجامعة.

ولاشك ان للحكومة دورا لا يخفى في تشجيع الجراءة على الاسلاميين من خلال المواقف والاحكام التي تصدر عنها من حين لآخر بدأ بتقزيم فاعلية العلوم الانسانية في بناء الأمم ومرورا بقرار إبعاد المعهد العالي عن مركز القرار واتنهاء بالحكم على جميع الاسلاميين بالخروج من مشكاة الارهاب والتطرف.

وفي الاخير، إذ أؤكد على أن الحرم الجامعي يجب ان يبقي بعيدا عن الصراعات الفكرية والايدلوجية وأن الطلاب أسمى وأنبل من أن يمتطوأ كصهوات لتحقيق الأهداف والمآرب ..أؤكد ايضا أن الحركات الفكرية التي أتخذت الإسلام منهجا لها وسبيلا تغفوا ولاتنام وتذبل بالقمع والتهميش ولاكنها لاتموت
Friday, April 22, 2011 at 10:01am

لماذا تحويل المعهد بالذات ...؟


يدور اليوم في الاوساط السياسية والاكادمية وحتى الشعبية في موريتانيا جدل واسع حول دوافع وثمار تحويل المعهد العالي للدراسات الاسلامية أو ما اصبح يسمى بعد قرار رئيس الجمهورية جامعة المرابطين، إلى مدينة لعيون. ويبدوأن الموضوع اتخذ شكلا جهويا رغم علو كعب متناوليه الثقافي والاكادمي ... ولكنها الجهوية في موريتانيا تظهر بشكل مؤثر في كل قرار فتحول دون تدارسه بشكل موضوعي ليجني منه الشعب ثمارا إن وجدت.. أو هي المحسوبية او القبلية ... او قل ماشئت. فأول مايتحسسه المتابع للجدل هو خلفية المتحدث أو صاحب الموقف، فإن كان من أهل "الشرق" فهو غير مؤتمن على مواقفه الداعمة لتحويل المعهد إلى لعيون حتى وإن كانت مبرراته مقنعة، فهو لم يدعم قرار التحويل كما يقول خصومه إلا لأنه من أهل المنطقة ... وإن كان من أهل "الغرب" فطبيعي أن يرفض قرار التحويل، فالمعهد ماهو إلا مؤسسة كباقي مؤسسات الدولة التي استأثر بها أهل جهة دون أخرى.

وهكذا تضيع مصالح المواطن المسكين بين جدلية "كسكس والعيش"، المواطن الذي يبحث عن مؤسسة لعصرنة معارفه التي اكتسبها تقليديا في المحظرة عل إحدى مرافق الدولة تستقبله إن تقدم إليها بملف.

فرحنا كما فرح غيرنا من المهتمين بالشأن الاكادمي الموريتاني بقرار رئيس الجمهورية بتحويل المعهد إلى جامعة المرابطين الذي أعلن عنه في خطابه بمناسبة خمسينية الاستقلال، ولاشك أن أقل ثمار هذه الخطوة هي نقل تصور العالم حول هذه المؤسسة من معهد صغير لا تأثير له إلى جامعة لها صيتها العالمي وكلياتها وطاقمها وتخصصاتها على غرار الجامعات العالمية ذات الصيت الواسع كجامعة القرويين مثلا في فاس. ولكن الفرحة لم تكتمل إذ وئدت بقرار تحويل الجامعة الوليدة إلى "عروس المدائن" مدينة لعيون ومطالبة عمد الحوض الغربي قاطبة في بيان مشترك الحكومة بالإسراع في تحويل الجامعة إلى المقاطعة. هي خطوة ظاهرها اللامركزية التي لايختلف اثنان على إيجابيتها وباطنها هو ما شكل الخلفية التي استند عليها كل من الطرفين في دعم أدلته وتفنيد ادلة الخصم.

من نافلة القول أن نظام اللامركزية هو نظام يساعد الدول على النمو من خلال دعم البرامج التنموية المحلية لكل ولاية أو محافظة من ولايات اومحافظات أي دولة او مملكة أو إمارة، ولكن اللامركزية لاتكون في المؤسسات التعليمية فقط دون السياسية والادارية ... وهنا يتبادر إلى الذهن العديد من الاسئلة في ما يخص تحويل المعهد العالي للدراسات الاسلامية أو جامعة المرابطين إلى المدينة النائية في الشرق والتي تحتاج إلى أجوبة وتحليل رصين للقرار وقراءة استشرافية لمآلاته قبل تنفيذه ليحصد المواطن ثمرته وتظهر عاقبته على البلاد والعباد. ونحذر بذالك من ان يكون كقرار حذر دخول بعض أصناف السيارات الذي اتخذ بإشارة اصبع وألغي بإشارة آخرى، ونتجنب كذالك عواقب الارتجالية في اتخاذ القرارات، فالقرار إن بني على دراسة وتأن والتماس لمصلحة المواطن فظهرت جدواءيته فلا سبيل إلى إلغاءه مهما كانت الضغوط والمناشدات، وإن بدا غير ذالك فلا سبيل إلى اعتماده وتبنيه مهما كانت أيضا الدوافع والمؤثرات.

من هذه الا سئلة التي تتبادر إلى الذهن : لماذا لعيون وليست كيفة مثلا؟ فهي اكثر كثافة وتقع على بعد متقارب من غالبية ولايات الوطن إذ تقع في وسط البلاد نسبيا بالاضافة إلى أنها ثاني اكبر المدن بعد العاصمة. لماذا جامعة بكاملها وليس فرع فقط أو كلية تدرس من خلالها إمكانية تطبيق اللامركزية التعليمية على نية توسيع المشروع إن نجح من خلال ذالك الفرع او الكلية، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار عجز مقاطعة لعيون كغالب مقاطعات الوطن عن تأمين التعليم الابتدائي والاعدادي الثانوي أحرى الجامعي. ثم السؤال الاهم لماذا المعهد العالي للدراسات الاسلامية وليس كلية القانون أو الاقتصاد مثلا ... ولماذا لا يُسبق القرار بآخر ينص على بناء سكن داخلي أو تخصيص منحة لمختلف الطلاب الذين سيفصلهم طلب العلم عن ذويهم ؟...

يعتبر المعهد أحد أهم الصروح الدينية والاسلامية المهمة التي تحوي كادرا لايستهان به من الدكاترة والطلبة النجباء الذين يلعبون دورا بارزا في الحفاظ على الوجه الناعم للجمهورية الاسلامية الموريتانية والذي اكتسبت به شنقيط سمعتها في الآفاق رغم ما يكتنفه من سوء سمعة نتيجة لسوء التسيير تحت ظل وزارة التوجيه الاسلامي.

وتكمن خطورة أسرة المعهد العالي من الطلبة والاساتذة في كونهم قوم درسو العلوم الاسلامية من منابعها الاصلية نقية لاتشوبها شائبة، ثم التحقو بالمعهد فعملوا على عصرنة علومهم وربطها بالأدوات الحديثة فكانت النتيجة أن فهموا توظيف الدين في حياتهم اليومية أحسن توظيف عن ثقافة ووعي بمايدور في العالم العربي من حولهم.

ولذا كان من الضروري إبعاد ما تبقى من الصرح الديني الوحيد بعد نهش وزارة التوجيه الاسلامي له، عن مركز القرار بالعاصمة وخاصة بعد ماشاع ويشيع من دور الفكر الاسلامي في تحريك الشعوب في تونس ومصر وبقية العالم العربي... والنتيجة يمكن من خلال قراءة إستشرافية لما بعد التحويل تلخيصها في النقاط التالية:

اولا: تخلي العديد من الكوادر البشرية العاملة في المعهد والتي هو بأمس الحاجة إليها كجامعة حديثة النشأة، بسبب أعمالهم المختلفة في العاصمة والتي لم يغنهم راتب المعهد عنها يوما. وبما أن العاصمة هي المكان الوحيد الذي تتاح للمواطن فيه آفاق للتكسب فلن يغامر غالب الأساتذة بالتفريط فيها.

ثانيا: تسيب الكثير من الشباب الدارسين في المعهد بسبب نفس العامل الاقتصادي، وبعد الشقة، فالمدن الداخلية ليست كالعاصمة حيث يتواجد الشعب الموريتاني بمختلف اطيافه بسبب المركزية الادارية. وعليه فلن يعدم الطالب أو الطالبة أحد ذويه في العاصمة بينما العكس في المدن الداخلية.

ثالثا: إستحالة ارتياد الكثير من الطالبات للدروس في الجامعة الجديدة أوحصرهن له على الحضور زمن الامتحانات وعليه تعرض مشوارهن الدراسي للخطر. وعندها يتحكم لوبي في إدارة الجامعة الجديدة مستغلا بُعدها عن مركز القرار وتبدأ عندها مواقع الأخبار تطالعنا يوميا بجديد الخلافات بين أساتذة جامعة المرابطين في مدينة لعيون ... وهكذا يذبل دور المعهد النتويري ويذبل حتى ييبس... !

نعم للامركزية الادارية والتعليمية والسياسية ونعم لتقاسم جميع المدن الداخلية المرافق العمومية مع العاصمة ولكن لا للبداية بالمعهد العالي للدراسات الاسلامية. وعليه فعلى جميع الحركات النقابية والفاعلين السياسيين الحيلولة بكل ماأوتو من قوة دون تطبيق القرار أو على الاقل، إن كان ولابد من تطبيقه، فتهيئة المدينة لإستقبال هذا الصرح وتهيئة الظروف لذالك ببناء أحياء داخلية للطلاب وضمان منحة معتبرة للمسجلين في الجامعة الجديدة.
Wednesday, April 6, 2011 at 1:40pm